بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 أيلول 2021 07:37ص الحكومة تواجه أولويات محرجة

حجم الخط
بعد مخاض عسير وطويل جداً تشكلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ونالت ثقة المجلس النيابي بعد مجموعة من العراضات الخطابية والتي كان من الواضح أنها ليست سوى مقدمات دعائية لموسم الانتخابات النيابية المقبل، مبدئياً في شهر أيار 2022.

وبالمناسبة لا بد من التقدم بالتهنئة على التشكيل ونيل الثقة الى كل من الرئيس ميقاتي واعضاء الحكومة، راجين لهم التوفيق في تحقيق ما يمكن تحقيقه من وعود ضمنوها للبيان الوزاري، لكن لا بد من التحذير من امكانية تكرار ما حصل مع حكومة حسان دياب، والتي فشلت في تحقيق أي من الانجازات التي وعدت بتحقيقها، بل دفعت بالأمور المالية والنقدية والمعيشية نحو الانزلاق الى الهاوية، حيث بات ما يقارب 50 بالمائة من اللبنانيين تحت خط الفقر المدقع. يضاف الى ذلك الأضرار الكبرى بالأرواح والممتلكات التي تسبب بها انفجار 4 آب في مرفأ بيروت، والذي تتحمل الحكومة ومعها عهد الرئيس عون المسؤولية المباشرة عن حدوثه، بعدما تلكأت في اتخاذ الاجراءات اللازمة لمعالجة مخاطر وجود كمية كبيرة من نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12، بالرغم من دق جرس الانذار من قبل الاجهزة الامنية من خطورة حدوث كارثة.

نحن ندرك ان لدى الحكومة الان جدول اولويات طويلا، يبدأ بضرورة معاودة المفاوضات مع صندوق الدولي، بموقف موحد من قبل وزارة المالية وحاكمية مصرف لبنان، وبتفاهم مع جمعية المصارف من اجل توحيد الرؤية حول حجم الخسائر الواقعة في ميزانية مصرف لبنان والنظام المصرفي. ولا بد ان تدرك الحكومة اهمية النجاح في هذه المفاوضات، حيث يشكل ذلك الخطوة الاساسية على مسار اعادة بناء الثقة الدولية بالدولة ومؤسساتها داخلياً وخارجياً، هذا بالاضافة الى تأمين الحصول على تدفقات مالية تتراوح ما بين 3 و5 مليارات دولار، من القروض الميسرة التي يمكن للصندوق تقديمها، والتي ستساعد حتماً على اتخاذ الخطوات الأولى على مسار وقف الانهيار الكامل للدولة ومؤسساتها الإدارية والامنية والعسكرية.

من المؤكد ان رئيس الحكومة ووزراءه يدركون جيداً بأن الدولة بجميع مؤسساتها واداراتها هي شبه معطلة بالكامل، وقد باتت عاجزة عن القيام بالحد الأدنى من وظائفها. لم يعد يقتصر قصور الدولة على انقطاع التيار الكهربائي أو شح مياه الشرب للمواطنين، بل تعدى كل الحدود بعدما تعذر على موظفي القطاع العام الحضور الى مكاتبهم ومكان عملهم بسبب عدم توفر المحروقات او ارتفاع بدلات النقل بسبب انهيار قيمة الليرة تجاه الدولار.

في رأينا يجب ان يحتل موضوع معالجة رواتب الموظفين في القطاع العام وخصوصاً في الجيش والاجهزة الامنية ووزارة التربية والتعليم العالي، بما في ذلك الجامعة اللبنانية رأس قائمة اولويات الحكومة. وتستدعي درجة الإحراج الآن ان تبادر الحكومة الى ايجاد صيغة لاعطاء الموظفين في هذه القطاعات الحيوية سلفات على الرواتب التي بات من الواجب وبإلحاح تصحيحها، إذا كان للدولة النية والارادة للاستمرار في القيام بوظائفها الملحة.

وتتقدم على سلّم اولويات الحكومة مسألة ايجاد حلول ناجعة ودائمة لأزمة المحروقات، وضرورة تزويد محطات الوقود بمادتي البنزين والمازوت بكميات كافية، وذلك من اجل الغاء خطوط الانتظار والذل، وتسهيل وصول الناس الى اعمالهم بالاضافة الى تأمين المازوت اللازم لمولدات الكهرباء، بعدما بات شح المادة يهدد كل القطاعات الانتاجية، بما في ذلك المستشفيات والخدمات الصحية.

لا بد ان تدرك الحكومة عمق وخطورة الازمة المعيشية التي تواجهها اكثرية المواطنين، والتي باتت تتطلب اولاً، اقرار وتوزيع البطاقات التمويلية على العائلات المحتاجة، وذلك بعيداً عن بازار ومساومات مختلف الاحزاب السياسية، وخصوصاً تلك المتمثلة في الحكومة، والتي يمكن ان تجنح للاستفادة منها وتوظيفها في الانتخابات المقبلة، كرشوة لاستقطاب اكبر عدد من الناخبين. اما في الشق الثاني من الأزمة المعيشية فان الأمر يرتبط بتفعيل عمل وزارة الاقتصاد لجهة مراقبة الأسعار من جهة، أو لجهة احتكار المواد الضرورية والتلاعب بأسعارها، ويسير بالتوازي مع اهمية تفعيل الرقابة على اسعار السلع. أن تنشط دوائر مصرف لبنان الى تفعيل اجراءاتها ورقابتها لاسواق النقد، ومنع التلاعب باسعار الدولار في السوق السوداء، من خلال تهريبه الى سوريا، او من خلال افتعال حاجات تجارية لزيادة الطلب عليه.

أما في شأن الكهرباء، فليسمح لنا دولة الرئيس من تحذيره من العودة الى السياسات المدمرة التي اعتمدها وزراء الطاقة مع ادارة كهرباء لبنان والتي ادت الى عجز عام يقدر ما بين 42 و46 مليار دولار. نطلق هذا التحذير انطلاقاً من ادراكنا ان وزارة الطاقة ما زالت خاضعة لسلطة نفس الفريق السياسي، المتمثل بالتيار الوطني الحر، وتحديداً لسلطة جبران باسيل. يدرك الرئيس ميقاتي بأن اصلاح قطاع الكهرباء قد مثل مطلباً اساسياً للمبادرة الفرنسية وللدول الصديقة التي أبدت استعدادها لمساعدة لبنان ومده بالمساعدات والقروض اللازمة لاعادة تأهيل البنى الاساسية والنهوض بالاقتصاد الوطني، والتي سبق لها ووضعت هذا الشرط في مؤتمر «سيدر».

هناك مجموعة من الاستحقاقات المهمة والاساسية والتي يفترض ان تضعها الحكومة في سلّم اولوياتها، وان النجاح في تحقيقها سيشكل دون شك معياراً اساسياً لمدى التزام الحكومة ببيانها الوزاري وبوعودها الاصلاحية ومن ابرزها:

اولاً: إعداد موازنة عامة «اصلاحية» لعام 2022، والتي تفترض ان تتعاطى معها الدولة من خلال وضع سياسة ضريبية واضحة وعادلة، مع التشديد على اقفال كل مزاريب الهدر في الوزارات وفي الصناديق الخاصة، وفي مجلس الانماء والاعمار والكهرباء وبقية وزارات وادارات الدولة. وتبرز هنا اهمية ان تظهر الموازنة المسار الذي ستعتمده الحكومة خلال السنوات المقبلة، للتخلص من العجز، والتعامل مع سداد ما يتوجب من قروض، وايفاء فوائد الدين العام في فترات استحقاقها.

ثانياً: هيكلة الدين العام، وخصوصاً لجهة التفاوض مع الدائنين الخارجيين والعمل على تصحيح العلاقة معهم، بعدما تسبب قرار التمنع عن الدفع الذي اعتمدته حكومة دياب بتدمير الثقة المالية الدولية بلبنان. يشكل امر تصحيح هذه العلاقة مع الخارج خطوة اساسية على طريق اعادة الثقة بلبنان، وبالتالي يفتح الباب لعودة لبنان الى الاسواق المالية العالمية.

ثالثاً: تسريع استصدار قانون «الكابيتال كونترول» كخطة اساسية لحماية الوفر الوطني والمالية وخصوصاً لجهة ضبط التحويلات الخارجية، والسعي لاسترجاع ما يمكن استرجاعه من المليارات التي حولت بشكل غير قانوني بعد انتفاضة 17 تشرين.

رابعاً: ضرورة البحث جدياً بوضع رقابة وتوحيد الاجراءات والمعايير المستعملة من قبل المصارف في تعاملها مع المودعين، مع السعي لاعادة هيكلة المصارف وذلك استناداً الى قاعدة الحفاظ على المصارف القادرة ضمن فترة زمنية محدودة على وضع برنامج زمني مقبول للتعامل مع المودعين، بالاضافة الى مدى قدرتها على العودة للمساهمة في سياسة الاقراض والاستثمار في المشاريع الاقتصادية على اختلافها.

ويفترض انطلاقاً من «قانون الكابيتال كونترول» وعملية اصلاح القطاع المصرفي ان تضع الحكومة الخطوط الاساسية والواضحة لتأمين حقوق المودعين بصورة واقعية وضمن فترة زمنية معقولة.

مما لا شك فيه ان على الحكومة ان تضع نصب عينيها التعامل مع مجموعة من القضايا الوطنية الكبرى، ومن ابرزها: استعادة الدولة لسيادتها وضبط جميع المعابر الحدودية، وتحديد وترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل ومع سوريا وذلك حرصاً على الحفاظ على الثروات الوطنية الغازية والنفطية، كما تبرز اهمية ان يضع مجلس الوزراء الخطوط الواضحة التي سيعتمدها لبنان في علاقاته الخارجية سواء مع الدول العربية او الدول الاقليمية والعالمية. ولن يكون من الممكن البحث في خيارات الدولة للتعاطي مع هذه القضايا الوطنية الكبرى، ولا بد من تأجيل الخوض فيها الى مقال لاحق.