بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 كانون الثاني 2022 10:07ص اليورو في عيده العشرين

حجم الخط
مشروع اليورو في بداية 2002 كان طموحا، ويستمر مع تحديات كبيرة.  اليورو هو واجهة الوحدة الأوروبية وعنوانها الكبير. اذا نجح، نجحت أوروبا والعكس صحيح.  يجمع الخبراء على أن الوحدة الأوروبية في أزمة، وليست وحدها طبعا، نتيجة العوامل الاقتصادية والسياسية كما الصحية.  الكورونا تضرب أوروبا ربما أكثر من أي منطقة أخرى.  قربها الجغرافي من منطقتنا ومن أفريقيا عموما يفرض عليها تحديات انسانية وسياسية كبرى.  حوالي 70 ألف مهاجر غير شرعي وصلوا الى الأرض الأوروبية عبر البحر في سنة 2021.  هذه أرقام قليلة نسبة لعدد سكان أوروبا وربما يحتاج اليهم الاقتصاد لمهن معينة لأن اليد العاملة الداخلية قليلة نسبيا.  لكن من الطبيعي أن لا تسهل أوروبا استقبال المهاجرين غير الشرعيين لأن ذلك يضاعف الأعداد الى حدود لا يمكن عندها أن يتقبلها الشعب لأسباب اقتصادية وسياسية وخاصة ثقافية.

قوة اليورو مرتبطة بقوة أوروبا والحقيقة أن الوحدة الأوروبية تتعثر سياسيا لغياب السياسات الواحدة المشتركة. هنالك مشكلة أيضا فيما يخص اتفاقية «شنغين»، التي ألغت الحدود الداخلية، بسبب التباين الواضح بين الدول.  في كل حال، سياسات مواجهة الكورونا فرضت تعديلات عملية على الانتقال بين الدول بانتظار تعديل الاتفاقية رسميا خلال رئاسة فرنسا للوحدة حتى آخر حزيران.  الأوضاع المتقلبة في أوروبا تساعد أحزاب اليمين المتطرف على الفوز أو أقله على تحسين وجودهم في المجالس النيابية.  الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة ستكون اختبار ليس فقط لقوة اليمين المتطرف الفرنسي بل للأوروبي.

مشكلة منطقة اليورو أنها لم تحرر انتقال رؤوس الأموال بين الدول وبالتالي لم يتم تعميم التنمية.  هكذا بقيت الاستثمارات الكبيرة في دول الشمال حيث الانتاجية مرتفعة وبالتالي توسعت التنمية لمصلحة الدول الغنية.  حصة الصناعة من الناتج ارتفعت من 18% في ألمانيا في سنة 1999 الى 21% اليوم.  لم تتعد هذه النسبة 15% في ايطاليا، 12,5% لكل من اسبانيا والبرتغال، 10% لفرنسا و7,5% لليونان.  نسبة اليد العاملة في الصناعة هي 18% في ألمانيا و 8% فقط في اليونان.  في الواقع تذهب العمالة من الجنوب لتعمل في الشمال أي على عكس ما كان يجب أن يكون تعميما للتنمية وتوزيعا لها بشكل أفضل.  ما هي نقاط ضعف الوحدة الأوروبية ومنطقة اليورو تحديدا؟

أولا:  غياب التنسيق بين السياسات الوطنية.  هنالك سياسة نقدية واحدة تقودها اليوم كريستين لاغارد رئيسة المصرف المركزي الأوروبي وسياسات اقتصادية ومالية وطنية في معظم الأحيان متباينة في أهدافها ومحتواها.  هنالك سياسة زراعية واحدة تتلخص بالدعم السخي للمزارعين لكن ما تبقى من سياسات ضعيف في التوحيد والتنسيق.

ثانيا:  هنالك رفض لأي نوع من الفيديرالية واصرار على الاستقلالية الوطنية مما يضعف الوحدة الأوروبية التي بنيت سياسيا كنسخة عن الولايات المتحدة.  النموذج الأميركي لم يطبق كاملا وهذا يضعف أوروبا الى حدود كبيرة بالرغم من امكاناتها الهائلة المتنوعة.

ثالثا:  أسواء ما في المشروع الأوروبي غياب تحويلات رؤوس الأموال بين الدول بحيث تبقى الأموال في مصادرها، بعكس ما يحصل في الولايات المتحدة.  لذا تبقى الدول متمايزة ومختلفة جدا في النمو والتنمية لأن رؤوس الأموال جامدة.

رابعا:  تعاني أوروبا من تباين العقائد وجمود البيروقراطية.  كل دولة تحكم من قبل عقيدة وطنية سياسية تنبع من واقع وتارخ الدولة.  كما أن البيروقراطية جامدة في كل دولة وفي المشروع المشترك.  الجميع يعاني من المشكلتين دون أن يحصل التغيير الصعب الذي ربما يتطلب تغييرات ثقافية وقانونية كبيرة.

خامسا:  لم تنجح أوروبا الكبرى ومنطقة اليورو تحديدا في خلق سوق واحدة فاعلة وشفافة ماليا واقتصاديا أي مؤسسات وقوانين واحدة.  هنالك فروقات بين تشريعات الدول مما يسمح للشركات خاصة الكبرى بالاستثمار في دولة حيث الضرائب منخفضة كايرلندا والتسويق في كل القارة.  خلق هذا الواقع مشاكل بين الدول يحاولون حلها عبر نسب ضرائبية دنيا ك 15% على أرباح الشركات العملاقة.  كما أن الحد الأدنى للأجور يختلف من دولة الى أخرى بحيث يعكس تكلفة المعيشة.  معدل الأجور متباين وبالتالي يمكن للشركات أن تستثمر في دول حيث الأجور منخفضة وتسوق في كل أوروبا.

واقعا ماذا يحصل تبعا للعوامل المذكورة أعلاه؟

أولا:  كان الاعتقاد ان الوحدة الأوروبية، وخاصة منطقة اليورو ستخلق النمو القوي وتقرب مستويات النمو بين الدول بفضل أولا انتقال الأموال وثانيا توجه الاستثمارات الى المناطق حيث الفعالية هي الأعلى، وهذا ما لم يحصل.  واقعا زادت الفوارق بين الدول وتوسعت فجوة التنافسية.

ثانيا: الاختبار الفعلي لأي مشروع كبير كالوحدة الأوروبية أو منطقة اليورو يحصل في الأزمات، أي مدى قابلية المشروع على تخطي الأزمات وربما معالجتها.  ما حصل في أزمة 2008\2009 عمق الفجوات بين الدول الغنية والأقل غنى عوض أن يضيقها.  بعد الأزمة طلب من الدول التي عانت أي دول الجنوب كاليونان وأسبانيا والبرتغال أن تصحح أوضاعها بسرعة وتعيد توازناتها الداخلية بأقصى سرعة مما دفعها الى الانهيار.  طلب منها ذلك في وقت كان الشمال مرتاحا نسبيا، أي أن ميزان المدفوعات في 2008 كان عاجزا بنسبة 15% من الناتج في اليونان، 12% في البرتغال، 10% في اسبانيا وفائضا في ألمانيا أي 5% من ناتجها.  أعطيت الأموال لاحقا لها بتكلفة باهظة وشروط تصحيح قاسية.

لو كانت منطقة اليورو مشروع واحد مشابه للولايات المتحدة، لكانت الاموال حولت بسرعة من الدول الميسورة الى الضعيفة ولما كان يحصل هذا الانشقاق الاقتصادي الخطير.  لذلك اضطرت الدول الأوروبية المتأزمة أن تمول نفسها من الداخل ومن الاقتراض الخارجي فارتفع العجز المالي كما الدين العام وانعكسا على الفوائد.  لا ننكر أن الاقتراض الخارجي بكميات كبيرة من المصرف المركزي الأوروبي وصندوق النقد جنبها الأسواء.

لو لم تكن هذه الدول المصابة في وحدة نقدية واحدة مع دول الشمال، لكانت خفضت عملاتها وبالتالي أسعارها وأجورها وارتاحت.  لكن وجودها في منطقة اليورو كلفها الكثير وجعلها تستدين أموالا ضخمة تؤثر على نموها.  ليس الحل في الخروج من اليورو وانما في تعديل قوانين منطقة اليورو بحيث يسمح لرؤوس الأموال بالانتقال سريعا من المناطق الفائضة الى العاجزة.

بعد عشرين سنة من الوجود، العالم يحتاج الى نقد قوي ينافس الدولار في الأسواق النقدية والتجارة الدولية.  لكن المطلوب بعض التعديلات الداخلية لمنطقة اليورو بحيث تصغر الفجوات التي حصلت وتتوحد التنمية الداخلية الى أكبر درجة ممكنة.