استشهد الرئيس رفيق الحريري -رحمه الله-... وأتى سعد الحريري، شباباً وحيوية وكاريزما وصفاء قلب ونيّة، لكن دون أي خبرة أو حنكة سياسيّة، مع بطء في تعلّم غور دهاليز وألاعيب وقواعد السياسة المحليّة القذرة.
واقع الأمر أنه فجأة، ودون أي إعداد مُسبق، وربما دون أيّ تطلّع أو رغبة شخصيّة في العمل السياسيّ، ورث سعد الحريري حملاً شعبيّاً ومذهبياً ومالياً ثقيلاً، وإرثاً سياسيّاً محليّاً وإقليميّاً ودوليّاً ضخماً له تبعاته.
للأسف، استمع الرئيس سعد الحريري إلى ابني عمّته نادر وأحمد الحريري ومجموعة من الانتهازيين الوصوليين المنافقين ممن لم يُحسنوا الاستقراء والتحليل والتخطيط والرؤيوية، بعد أن تخلّى باكراً عن مُستشاري والده، وعن الحرس القديم، ومجموعة العشرين، وتخلّى لاحقاً عن صقور التيّار.
وتواكب هذا مع اغتيال قوى الشرّ تباعاً، لكوكبة من الشخصيات الوازنة في مختلف المجالات، كانت تدور في فلك «قصر قريطم»، أو صديقة صدوقة ناصحة له.
بعدها، قدّم الرئيس سعد الحريري (بناء على نصائح من تقدّم ذكرهم) الكثير من التنازلات التي أثبتت الأيام عدم جدواها (كي لا نقول أكثر)، فزاد الشرخ بين «تيار المستقبل» وقاعدته السُّنّيّة، وفي الوقت ذاته خسر التيار قواعده في المذاهب الأخرى، وتباعدَ مع كُثُر بسبب تمسُّكه بالعلاقة الوطيدة مع التيار الوطنيّ الحُر.
تدريجياً صار معظم مناصري «تيار المستقبل» من مُتلقي الإعاشات والخدمات فإذا قُطعت عنهم انقطعوا عن التيار، فتقلص جمهور التيار الذي تكاد تقتصر عقيدته ونهجه على الوفاء «لعيونك» والتعلق بنوستالجيا وذكرى زعيمه الشهيد، وترديد مقولة الإعمار والإنجازات و«البلد ماشي»...
ثم توالت الأخطاء والضربات الغادرة الماليّة والسياسيّة وحتى العائليّة، وانهارت شركاته واستثماراته الخاصة، وكذلك تهاوت مؤسسات التيار الإعلاميّة والتربويّة والخدماتيّة، وتعرّض الرئيس سعد الحريري لسابقة مريرة هي الأولى في التاريخ الديبلوماسيّ، وهي استدراج واعتقال وإهانة رئيس حكومة أثناء زيارته لدولة أخرى!
ويبدو أن الرجل الذي قدّم مختلف أنواع التضحيات وعانى الأمرّان من الخيانة والخذلان وقلّة الوفاء، قد طفح كيله في آخر المطاف بعد أن أضحى «لا مع ستّي بخير ولا مع سيدي بخير»، وربما هو موجود الآن في الإمارات تحت نوع من «الإقامة المشروطة المُبرمجة»، ضمن خطّة لإعادة هيكلة نشاطه في مجال الأعمال وجدولة ديونه، والتمهيد لبداية جديدة في حياته.
وفيما البحث جارٍ عن تصوّر وصيغة لمستقبل التركة السياسيّة لوالده، أعلن الرئيس سعد الحريري تعليق عمله في الحياة السياسية، وعدم الترشح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بترشيحات باسم «تيار المستقبل»، وكان لهذا القرار آثار وأصداء وتردّدات كثيرة.
لكن «نبتدي منين الحكاية» فيما جرى؟!
لا يُخفى أن نادر الحريري كان الحاكم والآمر والناهي والنافذ والمرجع والمُقرر في الصغيرة والكبيرة، وكان مُهاب الجانب وقادر على الأذية، ولا يتردد في ذلك ولا يرمش له جفن، وكل من وقف في وجهه واصطدم معه، كان نصيبه الإقصاء وأن يدفع الثمن غالياً.
وبسبب وصوليته وأنانيته وخبثه ودهائه، كان على رأس الأسباب في فشل ونكبة الرئيس سعد الحريري على كل المُستويات (في السياسة، وفي المال والأعمال، وفي تدمير علاقاته مع السعودية ومع الخارج، وغيرها)، وما نتج عن ذلك من تداعيات على الطائفة السُّنِّيَّة بشكل خاص.
وبعد أن تعثّر الرئيس سعد الحريري وسقط، تسلّل «المستشار» نادر الحريري من الباب الخلفي بهدوء، بعد أن لعب دور «حصان طروادة» وأدّى مهمته بنجاح، وبعدها قام «رجل الأعمال» نادر الحريري بالاستحواذ على الكثير من أسهم الشركات والأعمال، ومنها أسهم بنك الاعتماد الوطني، وأصبح رئيساً لمجلس إدارته!
خلاصة الأمر: رفيق عمَّر... سعد قَصَّر... أحمد تَبَهوَر... ونادر تنمّر ودمّر!