في الخيمة، دارت الكاميرات، وعلى مدى نصف ساعة، أجاب العقيد على أسئلة لم يطلبها مسبقا.
وكشف عن أنه "واثق من النصر" وأنه متأكد من" عودة المغرر بهم إلى بيت الطاعة" وأن" الغرب سيندم على الحملة العسكرية لحلف الناتو". وقال" هاهم الآن يبعثون لي برسائل غير مباشرة يريدون مني أن أصفح عنهم وأن تعود المياه إلى مجاريها".
العقيد لا يؤمن بنظرية المؤامرة. وكان يرى أن من انشق عن نظامه وقع ضحية التضليل الإعلامي: "حقهم .. إذا القنوات تبث صورا كاذبة تزعم أنني أقصف الأحياء السكنية بالطائرات".
ونفى أن يكون قتل أحد "ظلما "، وتوقع نهاية "قريبة للحصار الجوي". وبإصرار أعمى، أكد أن نموذج "الجماهيرية" سيعم كل دول المنطقة وحمل على الجامعة العربية "الحمد لله أنها انتهت".
وقال أنه سيكافئ روسيا والصين والهند على مواقفهم في مجلس الأمن" أبواب ليبيا مفتوحة أمامهم".
Video Player
12 مليار دولار روسية
قبل يوم واحد من المقابلة معنا كان الكرملين، أقال سفيره فلاديمير تشاموف في طرابلس لأنه التقى العقيد لمدة ساعتين دون إذن من الرئيس ميدفيديف الذي إتهم القذافي في تصريحات صحفية بأنه يعرض شعبه إلى القتل.
وقبلها كانت روسيا امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن على قرار فرض الحظر الجوي، وبذلك أجازت القرار مع محاولة للاحتفاظ بماء الوجه مع أكبر شريك إقتصادي لروسيا في أفريقيا.
السفير تشاموف، مستعرب، يتقن الفرنسية والإنكليزية، أبلغني بألم "تصور لقد شطب ميدفيديف 12 مليار يورو عقود مع ليبيا حين لم يستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن".
وقال "سيدمر حلف الناتو ليبيا ويقتل العقيد الذي لن يغادر البلاد وسيبقى يقاتل إلى النهاية، أما روسيا فستخسر كل شيء".
السفير المقال، اعتكف بعد عودته إلى موسكو حتى تمت إعادته إلى الخارجية. وكان رئيس الوزراء فلاديمير بوتين، آنذاك، وصف قرار فرض الحظر على ليبيا القذافي بـ "حرب صليبية جديدة ".
يبدو أن بوتين الذي كان يستعد لدخول الكرملين رئيسا في انتخابات العام اللاحق، تدخل لصالح السفير الموهوب، فأعيد إلى الخدمة في وزارة الخارجية، ولكن بعد أن أكمل حلف شمال الأطلسي مهمة "حماية المدنيين " في ليبيا وأحرق الأخضر واليابس.
لماذا أخروا أجله المقرر ؟
حين كنا في الخيمة، فكرت أن تصفية العقيد على يد "خبراء" الناتو. وقنابله الذكية أمر ليس معقدا، في ضوء التسيب الذي شهدناه في باب العزيزية بدءا من إجراءات التفتيش البسيطة إلى الفضاء المفتوح، ومدافع "جراد" هكذا يلفظ الليبيون، منظومة الدفاع الجوي سوفياتية الصنع من الجيل القديم "غراد" المنتشرة بوضوح حول المباني في باب العزيزية والتي لا تسقط "جرادة" بلا صواريخ توماهوك.
وبعد 5 شهور تقريبا من الحرب على ليبيا، إلى أن قتل القذافي، يتضح أن شركات حلف الناتو، كانت تسعى لإطالة حياة العقيد، لتدمير أكبر قدر من البنى التحتية في ليبيا، فالأزمة المالية والاقتصادية في منطقتي الدولار واليورو بحاجة إلى مزيد من عقود إعادة الإعمار.. وتذكروا العراق.
لقد كان بوسعهم القضاء على شيخ القبيلة بضربة قاضية تنهي الحرب وتوقف الدمار وتحقن دماء ألاف الليبيين الذين قضوا في معارك امتدت لشهور.
لم يكن في مصلحة الناتو رؤية العقيد ميتا في وقت مبكر إلى أن وصلت شقراء الدبلوماسية الأمريكية هيلاري كلينتون قبل مصرعه بيومين، لتأمر بإنهاء اللعبة ( THE GAME OVER).
قتل الليبيون القذافي وسحلوه ومثلوا بجثته، ورقصوا حولها أياما.
لم يرتعب الأطفال الفرحون بنصر آبائهم، من الدم المتيبس على جسد ووجه العقيد المتخشب. ولم يفت أحد من مشايخ الجهاد أمثال القرضاوي الذي أحل دم القذافي، بدفنه وتناسوا أن إكرام الميت في دفنه. كنت قبل بضع سنوات صورت مشهد غراب يدفن غرابا ميتا في صقيع موسكو.
أخرجت الفلم من الأرشيف، كان الغراب الدفان ينق، ويطرد عصافير كانت تتجمع حول الغراب الميت متطفلة.
لم يصرخ الغراب "الله أكبر" بل دفن " ابن ريشه " وسط صمت غابة يقطعها نعيق ونقيق وزقزقة طيور وحيوات تبحث عن طعام ومأوى من البرد.
في الساعة السادسة من فجر الرابع عشر من تموز عام 1958، سقطت العائلة المالكة في العراق مضرجة برصاص جنود قرويين أمرهم ضابط أرعن بإطلاق النار على نساء وشاب أعزل مع خاله وخدم صغار وطباخ تركي. الضابط الأرعن مات منتحرا بعد سنوات من مكابدة مرض الكابة. والجنود القرويون نهبوا محتويات القصر الملكي البسيط وتكاثروا مخلفين أجيالا من الدهماء والرعاع وصلت إلى سدة الحكم وتتربع على عرش العراق المعفر بالكراهية والقمع والوحشية والقهر واللصوصية.
ومنذ تلك الساعة إلى اليوم لم تتوقف دورة الدم والانتقام في العراق. حين أخبرت القذافي المندهش من عربيتي الطليقة متوهما أنني روسي، أخبرته بأني عراقي نزع نظارته السوداء وكأنه أراد أن يرى وجهي بوضوح أشد.
وقال بما يشبه الهمس نعم نعم.. بغداد، أعرفها أعرفها!!.
مات القذافي ، لكن دولة الخيمة ستعيش طويلا في ليببيا المحتفية بثوار يصرخون الله أكبر حول جثمان منكمش وبيدهم رشاشات أي بي أم الأمريكية الفتاكة.
انتهى
*سلام مسافر