للوهلة الأولى يتعاطى الجميع مع خبر فوز بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي بغالبية مقاعد البرلمان، ما يخوّله الاستئثار برئاسة الحكومة الإسرائيلية عوضاً عن رئيس الحكومة الحالي يائير لابيد، على أنه خبر لا يسرّ الأذان، حيث صرَّح لمرات عديدة بأنه سيتوجه للتعامل مع اتفاق الترسيم تماماً كما تعامل مع إتفاق أوسلو، وهذه مسألة منطقيَّة ومبرَّرة برأيي، لكن السؤال الأهم هنا، وفي إحاطة عامة بالتفاصيل:
- هل فعلًا يستطيع نتنياهو تنفيذ تهديداته هذه بإلغاء اتفاق الترسيم أو تجاهله؟
معلوم أن هذا الاتفاق هو برعاية الأمم المتحدة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجتمعين، لكن بالرغم من ذلك لا شيء يمنع «حكومة إسرائيل»؛ وبناءً على تجارب سابقة، من تجاهل أي اتفاق، حيث خرق هذا الكيان مرات عديدة قرارات هي أهم وأكبر من اتفاق الترسيم، وإن يكن الترسيم لم يمر إلّا بعد ضغوطات كبيرة على حكومة العدو.
ومما لا شك فيه فإن من أوائل نتائج تجميد هذا الاتفاق عدم حصول أي استثمار للغاز في المنطقة بكاملها، وليس بمحيط الخط ٢٩ أو ما يُعرف بخط كاريش وجواره، وبمجرد تصرف العدو بعكس ذلك وبدء الإستخراج، فهو يجرُّ المنطقة إلى حرب كبيرة لن تمر بسهولة.
فاتفاق الترسيم برأيي ليس أوسلو، حيث لا يستطيع أن يقتطع مساحات في البحر كما تُقتطع في البر، كم أن الترسيم مرتبط بمصالح اقتصادية للطرفين، دون أن نقول واستطراداً أنه (أي الترسيم) بات هاجساً اقتصاديًّا لكل من أميركا وأوروبا، حيث لا يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تتجه مثلاً الى المنطقة المتاخمة للمناطق اللبنانية وتحاول استخراج كميات عبر أيٍّ من الشركات، بحيث لا تجرؤ أي شركة، وبعد المسار الذي سبق توقيع الأطراف على الترسيم، لاتخاذ هذه الخطوة لأنها، وعدا الخشية من الحرب بالتوازي مع تهديدات المقاومة في لبنان، لن تكون بمنأى عن تعرّضها لعقوبات دوليَّة، بسبب ما أسلفناه من مصالح اقتصادية دوليّة لمرور هذا الترسيم بسلام على عموم المنطقة، مع ما تستتبعه من ترسيم مع قبرص وسوريا. من هنا أقول إن شركات النفط لا مصلحة لها بالدخول في خط الاشتباك هذا.
فلو افترضنا بأن «الحكومة الإسرائيلية» اتجهت الى تجاهل الترسيم وطلبت من شركة «توتال» الانسحاب من حقل قانا اللبناني الذي من المفترض أن تنطلق منه على الجهة اللبنانية، فمن المؤكد أننا سنكون أمام حرب ستقع بين البلدين، لا تتحمّلها «إسرائيل» قبل لبنان، وهذا ما يدركه جيش العدو قبل غيره وهو كان في طليعة المرحبين بالترسيم.
ما يعني في الخلاصة، أنه وبعد الحرب المفترضة، ستكون النتيجة عودة الأطراف لنفس الاتفاق أو ما هو أسوأ منه لصالح العدو، والأفضل بالمقابل لصالح لبنان، لأن كل الحروب التي خاضتها «إسرائيل» مع حركات المقاومة في الآونة الأخيرة اتجهت للفشل السياسي والعسكري، وآخر معركة كانت لها لم تتحمّلها لثلاثة أيام، فالحرب لن تفيد وستكون العودة الى نفس الاتفاق بعد حرب مدمِّرة للجميع هي الملجأ والحل.
اليوم لا يوجد بديل لأمان «الحكومة الإسرائيلية» سوى المتابعة بالترسيم ولو على مضض. فالحرب وتبعاً لكل ما ذكرناه ليست بصالحهم اقتصادياً، عسكرياً وسياسيًّا، لذلك أكرّر:
الترسيم ليس أوسلو، ولبنان اليوم ليس لبنان الأمس، والترسيم سيستمر.
الشيخ محمد وسام غزيل