بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 أيار 2023 12:24ص أزمات تركيا وأولويات أردوغان

حجم الخط
بعد فوزه على منافسه كلينشدا - اوغلو بنتيجة 52٫14 في المائة مقابل 47٫86 في المائة من اصوات الناخبين في الدورة الثانية صرّح الرئيس رجب طيب اردوغان امام عشرات الألوف من مؤيديه «اننا لسنا الرابح الوحيد، بل تركيا هي الرابح، فالمجتمع بكل طبقاته، والديمقراطية هي الرابح». يدرك اردوان منذ اللحظات الاولى لفوزه بفترة رئاسة ثالثة لمدة خمس سنوات عمق الازمات التي سيواجهها، والتي يمكن ان تبدد كل الانجازات الكبيرة التي حققها خلال العقدين السابقين.
في رأس قائمة التحديات التي سيواجهها الرئيس مسألة التضخم وانهيار قيمة الليرة التركية، والتي شهدت تراجعاً جديداً فور اعلان نتائج الانتخابات، بالاضافة الى النتائج المدمرة التي تسبب بها الزلزال الذي حدث في شهر شباط الماضي، الذي تسبب بمقتل ما يقارب 50 الفاً في تركيا وسوريا.
اللافت في نتائج هذه الانتخابات هو فوز اردوغان على تحالف سياسي ضم ستة من اكبر احزاب المعارضة، وهو تكتل سياسي لم يسبق ان اجتمع لدعم مرشح رئاسي في اية انتخابات سابقة. واللافت ايضاً بأن الانتصار لم يقتصر على احتفاظ اردوغان بموقعه الرئاسي، بل تضمن ايضاً حصول حزبه على اكثرية المقاعد في المجلس النيابي، وهو الامر الذي اشار اردوغان في اهميته، بالاشارة الى وجود سلطة تشريعية متناغمة وداعمة لسياسة رئيس الجمهورية.
لا بد من الاشارة الى سرعة تقاطر رؤساء الدول الى تهنئة اردوغان بفوزه وفي مقدمتهم الرئيسان بوتين وبايدن بالاضافة الى الرئيس الاوكراني زيلينسكي. وكان اردوغان قد صرح لشبكة «سي ان ان» قبل اسبوع من يوم الانتخابات، مشيداً بعلاقاته مع الرئيس بوتين، وتوعده الغرب على خلفية اقامة بعض المواطنين الاتراك المطلوبين للعدالة على اراضيها ورفضها تسليمهم للقضاء التركي.
فتحت العلاقات الخاصة القائمة بين بوتين واردوغان لهذا الاخير بلعب دور مهم وبنّاء بفتح التفاوض مع روسيا واوكرانيا لفتح ممرات بحرية آمنة لنقل الحبوب الاوكرانية الى دول عديدة، الامر الذي منع حصول مجاعة في عدد كبير من الدول.
من هنا يمكن فهم التهنئة التي وجهها زيلنسكي الى اردوغان والتي قال فيها «نتطلع نحو المستقبل لتقوية الشراكة الاستراتيجية التي تخدم مصلحة بلدينا، كما تؤسس لتقوية التعاون والأمن والاستقرار في اوروبا».
يدرك اردوغان دون شك، التحديات الكبرى التي عليه مواجهتها خلال السنوات الخمس المقبلة، وابرزها الانقسام السياسي العامودي والعميق داخل المجتمع التركي، والذي اظهرته بوضوح النتائج المتقاربة في صناديق الاقتراع بالاضافة الى الازمة الاقتصادية والنقدية التي تعصف بالبلاد. وهناك ازمة اللاجئين السوريين، والحاجة الضاغطة لاعادة اعمال المناطق التي هدّمها الزلزال.
يدرك اردوغان عمق الازمة الاقتصادية التي تواجهها تركيا، ارتفعت نسبة التخضم الى مستوى 85 في المائة لتعود وتنخفض الى نسبة 44 في المائة قبل شهر من الانتخابات. ويرى الخبراء بأن نسبة التضخم هذه تلقي بأعبائها على حياة المواطن التركي اليومية، والذي بات يواجه متاعب يومية لدفع تكاليف الايجارات المرتفعة، وتحمل نفقات المأكل والاساسيات اللازمة لحياته، ويحمّل الخبراء مسؤولية هذا الارتفاع الكبير في نسبة التضخم المسؤول لسياسة اردوغان الاقتصادية والمالية، وخصوصاً لقراره بالحفاظ على نسبة الفوائد المتدنية، بهدف رفع نسبة النمو في الاقتصاد، وبما يتعارض مع كل توصيات الخبراء بضرورة رفع نسبة الفوائد.
تصدّى اردوغان لانتقادات الخبراء لسياسته الاقتصادية من خلال زيادة الحد الادنى للاجور ورفع مستوى التقديمات الاجتماعية والتقديمات الاخرى في خطوة للحفاظ على شعبيته، وتحضيراً لكسب الانتخابات الرئاسية.
بعد فوز اردوغان في الانتخابات ينتظر المراقبون عدداً من الخطوات الضرورية والسريعة التي يمكن ان يلجأ اليها لمعالجة الازمة الاقتصادية المتفاقمة، والتي ازدادت سوءاً بسبب الانفاق الكبير الذي تكبدته المالية العامة تحضيراً للانتخابات في المرحلة المقبلة، وأن على حكومة اردوغان ان تقرر وبسرعة موقفاً واضحاً من قضية الفوائد المتدنية، ومن القبول برفعها تدريجياً، مع ارفاق ذلك بتدابير تشجع على تدفق الاستثمارات الخارجية نحو تركيا، وذلك تداركاً لمزيد من الانهيار الاقتصادي والنقدي بالاضافة الى ارتفاع مستوى البطالة الى نسب غير مقبولة.
اما المعضلة الكبرى التي سيواجهها اردوغان في رئاسته الجديدة فتتمثل باعادة اعمار المناطق التي تهدمت نتيجة زلزال 6 شباط، والتي تبعتها انتقادات بأن رد الحكومة على الكارثة كان بطيئاً. على صعيد آخر، ان على اردوغان الآن ان يفي بالوعود التي قطعها لشعبه بتسريع عملية الاعمار في خطابه الانتخابي. ويبدو جلياً من نتائج الانتخابات في تسع ولايات ان المواطنين قد صدقوا وعوده، واقترعوا لصالحه. ودفعت هذه النتائج اردوغان للتأكيد في خطاب فوزه بالانتخابات بأن جهود واعادة الاعمار ستكون في رأس أولوياته. يقدر البنك الدولي قيمة الخسائر المترتبة على الزلزال بنحو 34٫2 مليار دولار، مع ضرورة مضاعفة هذا الرقم لتغطية نفقات اضافية مترتبة على اعادة الاعمار بالسرعة التي يريدها اردوغان، والتي لا تخلو ايضاً من مخاطر اخرى لا مجال لذكرها.
وتتمثل الازمة الكبرى الثانية بمعالجة اللجوء السوري وتساقطاته الاقتصادية والاجتماعية والامنية في ظل التدهور الحاصل في الوضعين الاقتصادي والمعيشي للشعب التركي، والذي بات يعبّر عن ضيق صبره من تحمل نتائج النزوح. ويبدو ان اردوغان يدرك تماماً اهمية معالجة ذيول النزوح، وهذا ما اشار اليه في خطاب «النصر» في الانتخابات من خلال قوله بأن 600 الف لاجئ سوري قد عادوا اختيارياً الى سوريا، وتحديداً الى المناطق الآمنة التي يسيطر عليها الجيش التركي داخل سوريا.
ووعد اردوغان ايضاً بعودة عشرات ألوف السوريين الى بلادهم، وقد يبلغ عددهم المليون وذلك نتيجة اعادة الاعمار الذي ستموّله حكومة قطر داخل المناطق الآمنة في سوريا. لكن ومن باب التحفظ فما زالت هناك مناطق داخل سوريا غير آمنة لعودتهم.
ولا بد ان يدرك اردوغان في رئاسته الاخيرة مدى اهمية تصحيح الارتكابات السابقة لفترة حكمه، وخصوصاً ما يعود منها لقمع الحريات والضغوط التي مورست ضد بعض الاقليات، وخصوصاً الاقلية الكردية. عملت السلطة التركية خلال السنوات العشر الماضية على ضبط الصحافة المعارضة، مع تشديد الرقابة على شبكات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، كما زجت السلطات عشرات الالوف من المعارضين في السجون.
لا بد ايضاً من التوقف في هذا المضمار عند الممارسات القمعية التي حدثت بعد محاولة الانقلاب التي وقعت عام 2016، والتي اتهمت بها جماعة الزعيم الديني محمد فتح الله غولن حيث طبقت السلطات عليهم القوانين الخاصة بمكافحة الارهاب. لا تكفي الاتهامات الموجهة للحكم بالتعرض لمعارضيه بل تذهب الى اتهامه باضطهاد بعض الاقليات وخصوصاً الاكراد. وكذلك بعض الجماعات المثلية، كما يؤخذ عليه الخضوع لبعض الجماعات الذكورية، وهذا ما دفعه للانسحاب من «المعاهدة الاوروبية لحماية المرأة. من العنف المنزلي والمجتمعين على ايدي الجماعات المحافظة، وعلى خلفية ادعاءاتها بأن هذه المعاهدة تشجع على نشر الشذوذ الجنسي.
اما على الصعيد السياسي والدبلوماسي فإن اردوغان سيواجه خلال السنوات الخمس المقبلة مزيداً من الضغوط الاوروبية على خلفية سياساته الداخلية، في كل ما يعود لممارسة الحريات العامة، واضطهاد الاقلية الكردية. اما في علاقاته مع الولايات المتحدة، فإن حالة عدم الرضى عن علاقاته مع روسيا فهي مرشحة للاستمرار، سواء بسبب موقفه من الاكراد في سوريا، او بسبب العلاقات التحالفية والحميمة القائمة بينه وبين الرئيس بوتين.
في النهاية سبق ان عبّر اردوغان عن رغبته في اعتماد سياسة الانفتاح تجاه الدول العربية، ولكن سيكون من الصعب جداً ايجاد مخرج لازمته مع النظام السوري، الذي يشترط الانسحاب التركي من سوريا والذي يرفضه اردوغان في الوقت الراهن.