بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 تشرين الثاني 2022 12:00ص الاستحقاق الرئاسي.. مخاطر التعطيل أو الغلبة

حجم الخط
تعقد غداً الجلسة السادسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، والتي لن تختلف في مسارها ونتائجها عن الجلسات الخمس السابقة، مع ارتقاب ان يدعو الرئيس نبيه بري لجلسة جديدة الاسبوع المقبل، ويستمر هكذا دواليك، مشهد التعطيل بالرغم من ادراك جميع الاحزاب والتيارات الممثلة في المجلس النيابي، بالاضافة الى النواب المستقلين والتغييريين للاضرار المترتبة جراء حالة الشغور للموقع الرئاسي على لبنان وعلى حياة اللبنانيين. وليدرك الجميع بأن اسوأ الخيارات هو الاستمرار في لعبة التعطيل.
يبدو من مسار ونتائج الاقتراع في الجلسات السابقة بأن عملية انتخاب رئيس للجمهورية تتبع نفس المسار الذي اتبعته العملية الانتخابية بعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود، وتكررت نفس المشهدية عند نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان، حيث تجري الدعوة لجلسة انتخاب، ليجري تهريب نصاب الثلثين في نهايتها، وذلك منعاً لعقد جلسة ثانية وانتخاب رئيس خلالها، بالاكثرية المطلقة لأصوات المجلس اي باكثرية النصف زائد واحد. يدرك حزب الله الذي يقود محور «الممانعة» بأن القوى السيادية والمستقلين والتغييريين يملكون عدد النواب الكافي لانتخاب رئيس بالاكثرية المطلقة، وهم مصممون على تعطيل كل الجلسات اللاحقة التي تجيز انتخاب رئيس من خلال هذه الاكثرية، ومن هنا يبدو ان لعبة تعطيل انعقاد الجلسة الثانية ستستمر لسنوات وليس لشهور معدودة كما يسوّق لها البعض.
وليس من باب الصدف ان يتزامن خطاب السيد حسن نصر الله في الاحتفال «بيوم الشهيد» حول المواصفات التي حددها للرئيس العتيد، والتي تتركز حول شعار «لا لرئيس  يطعن المقاومة في الظهر» مع تجديد دعوة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لتدويل الازمة من اجل تسهيل انتخاب رئيس. لقد سبق للبطريرك ان دعا لعقد مؤتمر دولي في كانون الثاني 2021، وذلك بحجة توفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني، تمنع التعدي عليه والمس بشرعيته، وتغييب السلطة الدستورية الواضحة، لحسم النزاعات، وتؤمن انتخاب رئيس للجمهورية ولتشكيل حكومة. وتأتي دعوة الراعي الجديدة لانعقاد مؤتمر دولي كرد مباشر على لعبة «الضحك على الذقون» والعبث بمصير لبنان من خلال تكرار لعبة التعطيل المستمرة لانتخاب رئيس منذ انتهاء عهد الرئيس لحود الى اليوم.
استدعت دعوة البطريرك لمؤتمر دولي من اجل انقاذ لبنان ردود فعل من قبل القيادات الشيعية، ومن قبل كتلة نواب حزب الله، وبما يؤشر بأن هناك نوايا لدى هذه القيادات للسير قدماً في عملية التعطيل تحت شعار «البحث عن مرشح توافقي» في الوقت الذي يسعون فيه للاستمرار بالدفع نحو استحالة انتخاب رئيس لا يخضع لمشيئتهم، ويلبي جميع مطالبهم، يؤشر هذا السيناريو الجديد الى نيّة حزب الله لتكرار مسار تعطيل انتخاب رئيس كما جرى عند انتهاء عهد الرئيس سليمان، الى ان خارت قدرات تيار المستقبل والقوات اللبنانية امام لعبة التعطيل، وخضوعهما بالتالي لخيار ومشيئة حزب الله والقبول بالعماد ميشال عون كرئيس للجمهورية، والذي لم يخف على احد بأنه كان الخيار الوحيد الذي فرضه السيد نصر الله كمرشح وحيد على النواب وعلى الشعب اللبناني.
لا يخفى على احد بأن حزب الله يسعى الآن لتكرار التجربة التي نجحت بالإتيان بمرشحه الوحيد، وبالتالي الإتيان برئيس يخضع لارادته السياسية، وينفذ جميع اهدافه في الهيمنة على الوضع اللبناني وخدمة مصالحه ومصالح ايران، واللافت ان اصرار حزب الله على التمسك بهذا السيناريو، والذي كان واضحاً في خطابه الاخير، رغم ادراكه لخسارته للاكثرية النيابية التي امتلكها في المجلس النيابي السابق، فإنه يعرّض الدولة والكيان للسقوط، وبالتالي الدفع نحو شرذمة الشعب اللبناني، والتي تهيىء للعودة الى زمن تشكيل الميليشيات الحزبية والمناطقية والطائفية، وبما يهيىء ايضاً العودة الى ممارسات الحرب الاهلية.
لا يمكن بسهولة تكرار وتحمُّل نتائج الشغور التي استمرت لفترة 30 شهراً قبل انتخاب الرئيس عون، فالوضع اليوم مختلف جداً، حيث آلت صلاحيات الرئيس حينه الى حكومة فاعلة وكاملة الصلاحيات، بينما تتسلم صلاحيات الرئاسة اليوم حكومة مستقيلة، تمارس صلاحية «تصريف الاعمال»، وهي غير قادرة او مخوّلة دستورياً للاجتماع واتخاذ قرارات «جامعة» لمعالجة الظروف الاقتصادية والمعيشية القاهرة، كما انها لن تكون قادرة على استكمال المباحثات التي بدأتها مع صندوق النقد الدولي، كخطوة ضرورية لتطبيق خطة التعافي الاقتصادي والمالي.
يبدو الآن، وعلى ضوء ما يجري في جلسات مجلس النواب بأن عملية انتخاب رئيس للجمهورية قد وصلت الى حائط مسدود. فالحزب غير قادر على ادارة اللعبة هذه المرة على غرار ما فعله في المرة السابقة. فالمعارضة الراهنة تملك الاكثرية في المجلس من جهة، وهي مصرّة على عدم الخضوع لشروط حزب الله او مناورات تعطيله للمجلس كهيئة ناخبة، ومن هنا تبدو صعوبة لا بل استحالة خضوعها لمطلب الحزب للبحث عن مرشح توافقي، في ظل وضوح خيار حزب الله لترشيح جبران باسيل او سليمان فرنجية مع ترجيح كفة فرنجية.
في ظل هذا الانقسام العامودي بين معسكر المعارضة ومعسكر «الممانعة» لا بد من دعوة اصدقاء لبنان للتدخل كسعاة خير لمنع ارتفاع وتيرة المواجهة بين المعسكرين، ومنع حصول اي احتكاك على غرار ما حدث في 7 ايار عام 2008. لا بد من استباق حصول مثل ذلك الاحتكاكات من خلال البحث عن تسوية تؤدي الى توافق على رئيس قادر على طمأنة المعسكرين، وذلك من خلال الوعد بالدعوة لموتمر حوار هادف لحل معضلة سلاح حزب الله، واستكمال تنفيذ بنود الطائف، والنهوض الاقتصادي، برعاية دولية واقليمية وذلك على غرار الجهود التي دعمت عملية ترسيم الحدود البحرية.
يأتي هذا الكلام كنتيجة لادراكنا ان تكوين المجلس النيابي الحالي لا يقدم لحزب الله القوة اللازمة لاجبار المعارضة على الاستسلام لمشيئته في تسمية الرئيس المقبل، على غرار ما حدث مع تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، وبالتالي اجبارهم على اختيار مرشحه المفضل سليمان فرنجية، كما ان نواب المعارضة لا يشكلون تكتلاً ثابتاً وصلباً، يملك اكثرية 65 نائباً. بل يمكن لهذه الاكثرية الاهتزاز وخسارة بعض نوابها. فالطريق الى انتخاب رئيس يمنع سقوط الدولة والنظام لن تكون سهلة، وتعترض عملية الانتخاب حواجز ومطبات لن يكون من السهل على اي المعسكرين تجاوزها.
ولا بد في السياق التعطيلي من تذكير مختلف الكتل النيابية بأن كامل التمثيل الشيعي هو محصور بحركة امل وحزب الله، ولا يستساغ انتخاب رئيس بأصوات المعارضة مع غياب كامل للتمثيل الشيعي، وذلك انطلاقاً من اعتبار ذلك يشكل معارضة لنص وروح اتفاق الطائف ودستوره، والذي نص على مشاركة الجميع، وفي حال حصول ذلك فإنه يشكل دعوة لإسقاط صيغة الطائف والتحضير لمواجهة فتنة جديدة.
في النهاية لا بد ان يدرك حزب الله بأن المعارضة ستبقى قادرة على مبادلته لعبة تعطيل انتخاب رئيس من خلال انسحاب نوابها من الجلسات وتعطيل النصاب، وبالتالي انتخاب مرشحه سليمان فرنجية. وعلى المعارضة ان تدرك بالمقابل بأنها لن تنجح في محاولاتها لانتخاب ميشال معوض بأكثرية 65 صوتاً مهما تكررت المحاولات، كذلك مع استحالة انتخاب رئيس تابع لأحد المعسكرين، يبقى ان الحل الوحيد الممكن في البحث عن تسوية بين الطرفين بدعم عربي ودولي، فالتسوية هي السبيل الوحيد الممكن لانقاذ لبنان واعادة الامل لشعبه بحياة كريمة ولائقة.