بيروت - لبنان

4 آب 2023 05:48م الاغتيال الكبير..والعدمية السياسية في لبنان

حجم الخط
شهد لبنان بعد الاغتيال الكبير  ١٤ شباط ٢٠٠٥ ظهور حالات من العدمية السياسية والجموح نحو السلطة والثروة والتمادي في استخدام الكيدية وصناعة الكراهية، والعدمية السياسية حالة مرضية تتجسد اعراضها من خلال حالات تضخم الذات الفردية والجماعية الى حدود التوهم بصداقة الدول الكبرى والصغرى، والعدمية السياسية هي موجة عابرة للطوائف والاحزاب والمناطق وتمارس طقوس انفصالها عن الواقع في وضح النهار وتعبر عن رغباتها باستتباع الاقليات والاكثريات وتقديم الخصوصيات الطائفية والمذهبية على الضرورات الوطنية، والعدمية السياسية  احدثت دمارا كبيرا في البنية المجتمعية الوطنية الوليدة وتبديد ثروة وطنية مجتمعية عابرة للطوائف والمناطق وغير مسبوقة في تاريخ لبنان. 

            سنوات طويلة عاشها اللبنانيون الانقياء مع ترهات وتهيؤات هواة العدمية السياسية الذين ساهموا في تعميم الاختلال السياسي والفكري والوطني لدى مكونات وطنية حقيقية وصادقة، ممن كانوا يتطلعون الى متابعة مسيرة ما قبل الاغتيال الكبير في استعادة الدولة الوطنية القوية وصناعة الازدهار واعادة الاعمار، سنوات طويلة ذهبت هدرا كانت مليئة بالتعديات والانهيارات والادعاءات وتحويل ذلك الاجتماع الوطني الكبير الى حطام سياسي، حيث لا اقوياء ولا بطولات ولا تكتلات وطنية ولا شخصيات استثنائية ولا ودائع ولا مدخرات ولا استشفاء او دواء، مع المجاهرة بترف المهارات السياسية العدمية والعبث بكل اسباب المناعة الوطنية المجتمعية والسياسية والادارية .   

            يشهد لبنان  حالة  الخواء السياسي وتضخم الذات وجموح الغرائز والرغبات السلطوية الرئاسية والوزارية والنيابية والادارية والدبلوماسية والاستشارية، وتحويل الاستثناءات الى قواعد والتأقلم مع الشغور الرئاسي والعطالة التشريعية وتصريف الاعمال الحكومية، وخلو الادارات المصرفية والامنية والادارية، وتفريغ لبنان من الكفاءات والطاقات الخلاقة والانتاجية، وتعميم فوضى الخيارات والتوجهات وتدمير مستقبل الاجيال و التمادي في صناعة الاوهام والتهيؤات والادعاءات وجعل المجهول خيارا وطنيا وحيدا في لبنان، والعدمية السياسية هي نتيجة طبيعية لثقافة الاستتباع والوصايات الدولية والاقليمية والعربية على لبنان واختراق اجهزتها لكل المكونات الطائفية والمناطقية، مما اشاع مظاهر (التطير) وتضخم الذات وانعدام الروادع الوطنية امام جموح  الغرائز والرغبات الشخصية في لبنان.

           الانفجار الكبير في ٤ اب ٢٠٢٠ اعاد التذكير بالاغتيال الكبير ١٤ شباط  ٢٠٠٥ ، ويأتي احياء الذكرى الثالثة  لذلك الانفجار الكبير على انقاض ما خلفته  العدمية السياسية من دمار سياسي ويبدو ذلك بمنتهى الوضوح  عبر الرغبة الشديدة لدى اهالي الشهداء الأبرياء والمواطنين الانقياء في استحضار ذلك الاجتماع الوطني الكبير الذي تكون عشية الاغتيال الكبير في ١٤ شباط ٢٠٠٥، مما يجعلنا نشعر بالاسف الشديد على ضياع وخسارة ذلك الفيض الوجداني العميق من العقول والقلوب النقية المفعمة بالمشاعر الوطنية الصادقة والتي احبطت بفعل الانانيات والتهيؤات الوهمية والنزعات  الفردية والجماعية لدى رواد العدمية السياسية الذين توهموا ان الاغتيال الكبير هو فرصة كبيرة من اجل التنعم بالمناصب والعطاءات، والاستمتاع بالعدمية السياسية والكيدية والارتجال والقيل والقال، مما ادى الى تعليق الارادات الطيبة وتلاشي اسباب الوحدة والنهوض والتقدم ولم الشمل الوطني في لبنان.