بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 تشرين الثاني 2020 05:53ص الانتخابات الاميركية: تحبل في أميركا وتولّد في لبنان

حجم الخط
غيّرت جائحة كورونا كل شيء في عام 2020، بما في ذلك المشهد الأخير من الانتخابات الأميركية وما كنا نتوقعه من احتساب وإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية.

لقد تبدل كل شيء بالفعل، حيث شهدنا صفوفاً طويلة من المواطنين الأميركيين تقف امام مراكز الاقتراع تنتظر دورها للاداء بصوتها بصورة مبكرة أو لتقترع بواسطة البريد، وبما يطرح العديد من الأسئلة حول مدى وكيفية احتساب ملايين من الأصوات فاقت 90 مليوناً، وفق بعض تقارير المؤسسات الإعلامية والمتخصصة، وسيطرح هذا الأمر الكثير من الأسئلة والشكوك حول متى ستعرف نتائج فرز هذه الأصوات، وحول مدى دقتها أو حتى صوابيتها. لقد تخطت نسبة المقترعين بواسطة البريد أو بالطريقة المبكرة في بعض الولايات نسبة مجموع المقترعين في انتخابات عام 2016، ويتحدث بعض الخبراء عن ان نسب التصويت بالبريد ستتراوح في كل الولايات من 50 إلى 70 في المائة بالمقارنة مع انها لم تتعد في عام 2016 نسبة 23 في المائة، بحيث انه ولأول مرّة في تاريخ الديمقراطية الأميركية يقترع الاميركيون بهذه الطريقة، وبهذه الكثافة قبل الموعد الرسمي المحدد للاقتراع.

في الانتخابات الماضية اعتاد الأميركيون ان يقترعوا خلال اليوم المحدد للاقتراع وأن ينتظروا معرفة نتائج اقتراعهم للرئيس في نفس الليلة، بينما يمثل يوم الاقتراع لعام 2020 نهاية فترة طويلة جرت خلالها العملية الفعلية لادلاء المواطنين بأصواتهم. ويبدو في هذا السياق بأن بعض الولايات تعتزم إعلان نتائج الاقتراع فيها خلال ليلة الثالث والرابع من تشرين الثاني، في الوقت التي ستتريث ولايات أخرى في فرز أصوات مقترعيها وإعلان النتائج النهائية التي نالها كل من المرشحين، لكن احتساب النتائج على عجل في نهاية اليوم الانتخابي الطويل لا يعني ان هذه النتائج هي قانونية ونهائية، حيث يتأخر عادة إعلان النتائج الرسمية لفترة أسابيع في بعض الولايات، بانتظار تدقيقها والتصديق عليها من قبل السلطات الرسمية في هذه الولايات.

من أجل ان تساعد صحيفة واشنطن بوست قراءها على فهم وإدراك ما يجري في هذه الانتخابات غير الاعتيادية، وفي ظل حمأة التنافس الشديد المستمر منذ أشهر بين دونالد ترامب الرئيس الجمهوري وبين جو بايدن المرشح الديمقراطي فقد عمدت إلى طرح مجموعة من الأسئلة والاجابة عنها، في محاولة حثيثة للتجاوب مع رغبات المواطنين المتطلعين لمعرفة النتائج التقريبية لعملية الاقتراع، وبالتالي تقدير حظوظ أحد المرشحين بالفوز بالرئاسة للسنوات الأربع المقبلة.

سأعرض بإيجاز عدداً من هذه الأسئلة والأجوبة عليها وفق ما اوردته الصحيفة المذكورة، وذلك تماشياً مع حاجة اللبنانيين الذين يتابعون بشغف كبير مجريات هذه الانتخابات، ولدرجة اثرت بشكل مباشر على تقييم ورؤية مستقبلهم السياسي والاقتصادي من خلال توقعاتهم واستشرافهم للدور الذي ستلعبه الإدارة الأميركية الجديدة في تقرير مصير المنطقة ولبنان.

السؤال الأوّل، متى يمكن ان نعرف من ربح الانتخابات الرئاسية؟ وتسارع الصحيفة إلى القول بأن الإجابة عنه هي صعبة، سواء بالنسبة للرئاسة أو النتائج الخاصة بالمرشحين للكونغرس أو المناصب الرسمية الأخرى، حيث يعلم الجميع بأن احتساب وإعلان هذه النتائج قد يستغرق بضعة أسابيع في بعض الولايات. ولا بدّ هنا من الإشارة الى أن الصعوبة تنتج عن الاقتراع بواسطة البريد اليوم الثالث من تشرين الثاني (أي يوم الاقتراع)، أو لإعطاء الفرصة لبعض المقترعين الذين ارتكبوا هفوات في تعبئتهم للبطاقة الانتخابية لتصحيح تلك الأخطاء، منعاً لإلغاء انتخابهم.

لكنه يجب ان لا يمنع كل ذلك بعض الولايات من الحصول على قدر كاف من المعلومات، وبما يسمح بإعلان اسم الفائز بين المرشحين الرئاسيين.

لكن تتمثل الصعوبة الأساسية في استشراف معرفة اسم الفائز في نهاية اليوم الانتخابي وذلك بسبب اختلاف طريقة الاقتراع، حيث فضل أنصار ترامب الاقتراع المباشر يوم الانتخابات، بينما اقترع عدد كبير من الديمقراطيين بصورة مبكرة، مع وجود أيضاً اختلاف بين الولايات في احتساب وفرز الأصوات بين التصويت المبكر أو التصويت المباشر يوم الانتخابات بالذات.

السؤال الثاني، تركز على إعلان نتائج الولايات المتأرجحة؟ في هذا المجال يمكن توقع ان تقوم بعض الولايات المتأرجحة مثل اريزونا وفلوريدا وكارولينا الشمالية بفرز الأصوات التي جرت من خلال الاقتراع المبكر أو بواسطة البريد قبل يوم الاقتراع وبالتالي تقديم المعلومات الخاصة بهذه النتائج بسرعة، في الوقت الذي يتوقع الخبراء تأخير إعلان مثل هذه النتائج في ولايتي بنسلفانيا وميتشيغين. يمكن ارتقاب احتساب النتائج في بقية الولايات المتأرجحة على الشكل الآتي:

- ولاية اريزونا، يسمح باحتساب نتائج التصويت المبكر أو بالبريد قبل يوم الانتخاب، على ان تجري عملية الفرز للاقتراع المباشر بعد إعلان هذه النتائج مباشرة، على ان يتبع هذه المرحلة فرز الأصوات التي وردت بالبريد يوم الانتخاب، لذلك من المتوقع البدء بإعلان النتائج تدريجياً اعتباراً من الساعة الثامنة مساء يوم الانتخابات.

- ولاية فلوريدا، تسمح قوانين الولاية بفرز وعدّ الأصوات التي وردت قبل يوم الانتخابات، وسيسهل ذلك البدء بمعرفة النتائج ليل يوم الانتخاب، في حال سارت الأمور وفق القوانين والخطط المرسومة. ومن المتوقع البدء بمعرفة النتائج اعتبارا من الساعة الثامنة مساءً.

- ولاية جورجيا، يمكن أيضاً ان يجري فرز الأصوات المبكرة وبواسطة البريد قبل يوم الانتخابات، لكن لا يمكن إعلان نتائج هذا الفرز أو احتسابه قبل موعد انتهاء عملية الاقتراع في يوم الانتخابات، وتوقع وزير الدولة في هذه الولاية معرفة النتائج خلال يوم أو يومين وليس خلال ليلة يوم الانتخاب.

- ولاية مينوسوتا، حيث تسمع قوانين الولاية بالفرز المبكر للتصويت المبكر أو بواسطة البريد، ولكن دون إعلانها واحتسابها قبل نهاية يوم الانتخابات. يمكن توقع صدور نتائج اولية اعتباراً من الساعة الثامنة مساءً ليوم الانتخابات.

- ولاية اوهايو، يجري الفرز واحتساب النتائج بصورة مماثلة لولاية مينوسوتا.

- ولاية بنسلفانيا، لا يمكن فرز التصويت المبكر أو بواسطة البريد قبل يوم الانتخابات، ويطلب المسؤولون عن عمليات الفرز من الولاية اعطاءهم المزيد من الوقت. وتتوقع سلطات الولاية اكمال عملية الفرز خلال أيام، أو في نهاية الأسبوع.

- ولاية ويسكونست، وتعتمد هذه الولاية قواعد في فرز الأصوات مشابهة لبنسلفانيا، ولكن يمكن توقع معرفة النتائج الأوّلية غير الرسمية ليلة اجراء الانتخابات، ويرجح المسؤولون انتهاء الفرز خلال يومين.

السؤال الثالث، لماذا يؤخر التصويت بالبريد عمليات الفرز؟ يعود هذا التأخير أو حاجة المسؤولين عن فرز الأصوات إلى اجراء عملية تأكد من صحة تعبئة استمارة الانتخاب وتدقيق المعلومات فيها وصحتها. ويساهم في هذا التأخير وجود قوانين في بعض الولايات لا تسمح ببدء هذه العمليات قبل يوم الانتخابات. وبالرغم من تباطؤ عمليات الفرز الا انه يستبعد حصول عمليات غش انتخابي في عمليات التصويت بالبريد.

السؤال الرابع، متى تصبح النتائج نهائية؟ في العادة يعرف الأميركيون نتائج الانتخابات قبل إعلانها رسمياً بفترة طويلة.

لدى كل ولاية اسلوبها الخاص وقوانينها الخاصة لتدقيق وفرز الأصوات واحتساب النتائج النهائية للمرشحين، ويمكن ان تنتهي هذه العملية خلال شهر تشرين الثاني في بعض الولايات، وانه تمتد في ولايات أخرى الى شهر كانون أوّل.

يبدو من حدة المنافسة الجارية في هذه الانتخابات ومن تصريحات الرئيس ترامب فإن إعلان الانتخابات سيشهد معارك قانونية حادّة، قد تتطلب إعادة عمليات التدقيق والفرز في بعض الولايات، مع إمكانية رفع دعاوى امام المحكمة العليا للطعن ببعض النتائج أو في محاكم الولايات نفسها، ولكن من المتوقع ان تبت المحاكم بهذه القضايا بسرعة.

يجري احتساب النتائج النهائية على أساس اقتراع المندوبين الذين تعينهم الولايات ما بين 8 و14 كانون أوّل، حيث يجتمع المندوبون عن كل ولاية في كابيتول الولاية للادلاء بأصواتهم وفق نتائج التصويت الشعبي، وترسل نتائج التصويت إلى الكونغرس لاقرارها في 6 كانون الثاني من عام 2021.

السؤال الخامس، ما هو تأثير جائحة كورونا؟ أثرت الجائحة بصورة مباشرة على الانتخابات التمهيدية للرئاسة، حيث لم تجر تلك الانتخابات في مواعيدها، حيث تأخرت إلى النصف الثاني من شهر آذار، وجاء التأخير الاطول في ولاية نيويورك، خصوصاً للحزب الديمقراطي.

السؤال السادس، هل يمكن تكرار العقبات التي واجهتها الانتخابات الرئاسية في عام 2000، عندما أدّت النتائج المتقاربة بين جورج دبليو بوش ونائب الرئيس آل غور إلى طلب إعادة تدقيق واحتساب نتائج ولاية فلوريدا، وكانت المحكمة العليا في الولاية قد طلبت إعادة فرز وتدقيق 45000 بطاقة انتخابية يدوياً، لكن تقدّم بوش الابن بطعن امام المحكمة الفدرالية العليا ضد هذا القرار، حيث حكمت بابطال حكم محكمة الولاية، وباعلان النتائج، حيث فاز بوش بالرئاسة.

نسجل في هذا السياق ان أهم الصعوبات التي واجهتها الولاية المتحدة أثناء الحملات الانتخابية رؤية البلاد منقسمة عامودياً بين اليسار الديمقراطي الداعم لبايدن والتيارات اليمينية المتزمتة الداعمة لترامب. ومن المتوقع ان تشهد بعض المدن تظاهرات عنيفة، ولكنها ستبقى دون مستوى خطر الانزلاق إلى حرب أهلية، حيث تملك السلطات كل القدرات الأمنية اللازمة لكبح أعمال العنف واستعادة الأمن والاستقرار.

لكن لا بدّ من التحذير من إعلان نتائج اولية قبل انتهاء عملية الفرز الأمر الذي سيضغط أنصار ترامب بحصوله بحجة انهم لن يسمحوا لحفنة من «اليساريين والشيوعيين» بسرقة الانتخابات الأميركية. من هنا يبدو منطقياً التساؤل عن إمكانية هروب ترامب إلى الامام بإعلان فوزه المبكر، فإذا حدث ذلك فإنه قد يُشكّل الشرارة لانطلاق أعمال شغب واسعة في البلاد.

اما في لبنان فقد جهدت بعض الأوساط السياسية ومنها القريبة من العهد وحزب الله في محاولة ربط تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري بموعد ظهور نتائج الانتخابات الأميركية، في الوقت الذي يبدو فيه هذا الربط سخيفاً، ويدفع بالأوضاع نحو مزيد من الخسائر والتعقيدات السياسية.

ان المطلوب تسريع التوافق على تشكيلة حكومية قادرة على اجتراح الإصلاحات المطلوبة لفتح الأبواب امام تدفق المساعدات والقروض لإنقاذ لبنان، وبالتالي فك عزلته العربية والدولية، وذلك منعاً من تطبيق المثل القائل: بتحبل في أميركا وبتولد في لبنان.