بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 أيار 2024 12:14ص التكنولوجيا وفرص العمل

حجم الخط
لا نمو من دون عمل!  لا تنمية من دون فرص عمل كافية ونوعية.  فالتنمية تؤدي أصلا الى انتقال العامل والموظف من فرصة سيئة الى أخرى جيدة.  هذا كان دور الزراعة وثم الصناعة.  أما اليوم انتقل هذا الدور الى الخدمات بكافة أنواعها.  يخطىء الاقتصاديون في معظم الأحيان عندما يركزون على الاستهلاك كأهم مؤشر للنمو والتنمية.  حتى مؤسس العلوم الاقتصادية «أدام سميث» وضع المستهلكين أولا اذ ربط البحبوحة الاقتصادية ليس بالانتاج بل بما يستطيع المجتمع استهلاكه من أفضل السلع والخدمات.  لذا تجاهل المؤسس الى حد بعيد دور العمال والفرص المتوافرة لتحسين وتطوير الانتاج، واهتم كثيرا بالعامل كمستهلك وليس كمنتج.
جميعنا نعمل ليس فقط لحب العمل وانما لزيادة قدرتنا على استهلاك أفضل السلع والخدمات.  فالعمل مهم للعيش المادي، لكنه مهم أكثر ربما لجعل الانسان يساهم في تحسين المجتمع وتطويره أي تحسين صورة الذات كما الاقتصاد ككل.  من يخسر عمله لا يخسر فقط الدخل المرتبط به، بل يخسر عموما معنوياته وسعادته وحتى أمله بدوره وبمستقبله.
يمر الاقتصاد الدولي بظروف صعبة كما تشير اليه كل المؤتمرات منها COP28 مؤخرا في دبي.  هنالك مخاطر اقتصادية عالمية كالتضخم وارتفاع الفوائد وخدمة الديون وصعوبة توفير التمويل الميسر وتباطؤ النمو حتى في النمور الأسيوية ومنها الصين.  قدر صندوق النقد الدولي نسبة النمو العالمي ب 3% في 2023 و 2,9% هذه السنة، وهي نسب متواضعة في ظروف صعبة، مقارنة بمتوسط سنوي 3,7% في العقود السابقة وبالتالي الفارق المتراكم كبير جدا. لذا هنالك ضرورة لتأمين أموال كافية للتنمية في الدول الفقيرة منها لمكافحة التلوث المناخي.
هنالك دائما صراع قوي بين التطور التكنولوجي وفرص العمل.  فالتكنولوجيا وآخرها الذكاء الاصطناعي تساهم مع الوقت في تطوير الاقتصاد لكنها لا بد وأن تخيف العمال خاصة عندما تتوافر امكانية استبدال العامل بالماكينة أو الآلة أو الحاسوب. فالتطور التكنولوجي لا يؤثر فقط ايجابا على النمو، بل يمكن أن يؤثر سلبا على الاستقرار الاجتماعي عندما يتم استبدال العامل بالآلة الحديثة.  هنالك دراسات تشير الى تأثير التكنولوجيا سلبا على حياة المواطن وسعادته وعلاقاته الاجتماعية بسبب تأثيرها المحتمل على وظيفته ودخله. لا يمكن الاعتماد دائما على العامل لتطوير نفسه بالتوازي مع التكنولوجيا خاصة في الوظائف التي تتطلب خبرة علمية غير متوافرة عنده وبالتالي مساعدة الحكومة مطلوبة.
يهدف الاقتصاديون عموما الى دراسة العوامل التي تؤثر على العدالة الاجتماعية وبالتالي تحسن نوعيتها.  فالعدالة لا تعني فقط تحسين توزع الدخل والثروة في المجتمع بل تعني أيضا تحسين صورة المواطن في المجتمع بحيث يحظى باحترام المجتمع وثقته.  ما هي الوظيفة الفضلى التي يسعى اليها المواطن؟  في الدول الصناعية، الوظيفة الجيدة هي التي ترفع مستوى المعيشة وتؤمن حقوق أفضل وأشمل للمواطن. من الحقوق العطل الأسبوعية والسنوية كما الضمانات الصحية والتعليمية للرجل والمرأة.  في الدول الفقيرة، توافر الوظائف الجيدة يؤدي ليس فقط الى تحسين مستوى المعيشة بل الى تطوير القطاعات الاقتصادية الشرعية على حساب الأسواق غير الرسمية شرعية أو غير شرعية.
تغيرت أسواق العمل مع تغير ثقل القطاعات المتنوعة في الداخل.  بعد الزراعة والصناعة، ها هي الخدمات تشكل الثقل الأكبر في كل الاقتصادات.  فرص العمل الجيدة اليوم عالميا هي في الخدمات.  الاقتصاد المتطور يعتمد على قطاع خدمات حديث يؤمن فرص عمل جيدة للمواطنين. تفتقر الدول النامية الى قطاعات خدمات فاعلة ومتطورة وبالتالي تتعثر داخلها أسواق للعمل للجميع.  من مشاكل الدول النامية أنها لم تنظر بعد الى قطاع الخدمات كقطاع أساسي لتأمين فرص عمل تؤدي الى تطور المجتمعات.  ما زالت العقلية السائدة في الدول النامية وبعض الناشئة تدعو الى استمرار التركيز على الصناعة لدفع النمو بينما الواقع العالمي يشير الى غير ذلك.  المطلوب من حكومات الدول النامية وبعض الناشئة، وهذا هو حال معظم الدول العربية، أن تقرر كيف تطور الخدمات داخلها وثم تنفذ السياسات الهادفة اليها.  هنالك سياسات مطلوبة ترفع انتاجية قطاعات الخدمات وتسهل الاستثمارات فيها كما تلغي الحواجز التي تقيد المنافسة داخلها.
ما يجب التنبه له هو دور قطاع الخدمات في ازدهار أسواق العمل. لا يمكن تشبيه قطاع الخدمات بقطاع الصناعة الثقيلة المصدرة التي اعتمدت عليه دول أوروبا الشرقية سابقا كما الاتحاد السوفياتي وحتى دول شرق أسيا لاحقا. كانت الصناعات الثقيلة تستوعب العمال والموظفين ليقوموا بأدوار لا يمكن وصفها بالفاعلة والمنتجة.  اشتهر الاتحاد السوفياتي مثلا في الماضي بانتاج وتصدير سيارات غير فاعلة وغير جاذبة مع مشاركة أعداد كبيرة من الموظفين والعمال في انتاجها.  فالتركيز على العمل بأي شكل من الأشكال غير كاف، لأن الانتاجية كما التنافسية تبقيان أساس القطاعات المنتجة.  لا بد من تغيير التركيبة الاقتصادية الداخلية في الدول النامية والناشئة باتجاه الخدمات النوعية المتطورة المرتكزة على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
كيف يتوجه المواطن في ظروفنا الصعبة وما هي أفضل الاستثمارات له؟  فالذهب أصبح جاذبا أكثر في ظل الأوضاع الدولية المتوترة الحالية.  يتحرك سعره تبعا للمخاطر السياسية الدولية والفوائد خاصة تلك على الدولار الأميركي.  الجميع ينتظر انخفاض الفوائد مما يجعل المعدن الأصفر جاذبا أكثر.  المصارف المركزية تتردد خوفا من عودة التضخم.  يبقى الذهب في كل حال ملجأ يستثمر به على المدى الطويل وينتقل من جيل الى آخر كما يحصل في أسيا والهند تحديدا.  فالاستثمار في الذهب يبقى أفضل من الاستثمار في النقد، أي نقد، خاصة عندما تفقد المصارف المركزية ثقة المواطن وقطاع الأعمال. لم تنجح هذه المصارف في مخاطبة المواطن بصدق وشفافية وكانت مسؤولة عن الكوارث المصرفية والنقدية السابقة.