المكونات السلطوية الطائفية والحزبية تتوهم القدرة على استكشاف التحولات الاقليمية والدولية وتاثيراتها على الواقع اللبناني السياسي والاجتماعي والاقتصادي والامني، وتستند في توهمها على علاقاتها الطويلة مع اجهزة دول الوصاية والانتداب، والمكونات السلطوية لديها نخبة من المنجمين السياسيين الموثوقين لدى اجهزة الوصايات من الذين يدعون القدرة على تفكيك الغموض والتباينات في التوجهات بين دول الوصاية وداخل كل دولة .
التنجيم السياسي اللبناني ذات جذور عميقة، وهو من الادوات الشائعة في منظومة الدولة المستعمرة ومكوناتها السلطوية المنشغلة على الدوام بالتكيف مع تقلبات دول الوصاية وادواتها، حيث تتمحور العملية السياسية دائما حول اعادة تكوين السلطة على حساب معايير الدولة كوحدة قانونية تتكامل من خلالها مكونات الشخصية الوطنية القانونية الاجتماعية والجغرافية وقواعد الانتظام العام وتغليب المصالح الوطنية على الإملاءات الخارجية .
المكونات السلطوية تعتبر ازمة الشغور الرئاسي انجاز، وازمة عدم تشكيل حكومة انجاز، وازمة تعطيل التشريع النيابي انجاز، والازمة المعيشية انجاز، وكل الأزمات انجازات، مما يبرر سعيها الى اعادة تكوين سلطة ادارة الازمات، والشواهد كثيرة في تاريخ لبنان المستعمر المتعدد الولاءات من المتصرفية الى الانتداب والام الحنونة الى الاستقلال والنكبة وحلف بغداد الى الوحدة والانفصال الى الاخوة والأشقاء والآباء والرفاق والحجاج ومليشيات الخصوصيات الطائفية والمذهبية والاعداء والحلفاء ومتاهات النزاعات وانهيار المؤسسات وادارة الازمات .
التنجيم السياسي اللبناني ظاهرة عدمية الى حد الغاء وزارة التخطيط والتصميم وعدم تحكيم العقل والعلم والخبرة في استشراف التحولات والمستجدات وملاقاتها بالتشريعات والخطط والاستراتيجيات، كما حدث مع الجنرال فؤاد شهاب والجنرال ديغول والاب لوبريه وبعثة (ارفد) واستراتيجية الانماء المتوازن ومجلس الخدمة المدنية والنهوض بالجامعة اللبنانية وتلفزيون لبنان، وتلك الحقبة تشكل صفحات فرنسية بيضاء في تاريخ لبنان، والتي اعادت التذكير بها انجازات مؤسسة الحريري من خلال تفعيل ارادة العدالة التربوية والاجتماعية والمناطقية والنهوض باجيال لبنان المستقبل عبر البعثات العلمية حيث تخرج عشرات الالاف من ارفع الجامعات العالمية، والمئات المئات منهم حاز على درجة دكتوراه واسماؤهم منشورة في مطبوعات مؤسسة الحريري، وقبل الاغتيال كان الرئيس رفيق الحريري قد نجح في كتابة الكثير من الصفحات البيضاء والمضيئة والعميقة في الوجدان والوعي المجتمعي اللبناني.
التحولات والمستجدات الدولية والإقليمية بالغة الدقة والوضوح لجهة تجليات هبوب رياح الربيع الافريقي والشرق اوسطي والاميركي الجنوبي، مما يوحي بولادة ربيع عالمي جديد في القرية الكونية وانتهاء سياسات اغتصاب المستوطنات ونهب المستعمرات المنسية وصناعة وادارة النزاعات والشروع في مرحلة ضخ الاستثمارات التنافسية، وتوليد تحالفات ومنظومات اقتصادية عالمية تنافسية غير مسبوقة، والربيع العالمي الجديد ورواده من تشكيلات الذكاء الصناعي في كافة المجالات يحتاج الى تفعيل اليات الدولة القانونية الحديثة القادرة على استيعاب السرعة في التجدد وحماية الانتظام العام وسلامة الاستثمارات والصناعات واستيعاب الهجرة المضادة وفرص العمل العابرة للقارات، والمجموعات الاقتصادية العالمية الجديدة المتنوعة والمتقاطعة والشديدة التنافسية قد رصدت مئات مليارات الدولارات من اجل تحديث البنى التحتية في الدول الفقيرة والمتوسطة بحيث تتقدم الامكنة على تخلف المجتمعات، مما يجعل من لبنان الجغرافي واجياله الصاعدة على شواطىء شرق المتوسط اكثر حداثة وتقدم من المكونات السلطوية الطائفية والتنجيم السياسي اللبناني الغير قادر على استشراف بديهيات الربيع العالمي الجديد، وحفظ الله لبنان.