بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 كانون الأول 2022 05:36م الفضل شلق ... 2022 في الحرية والسياسة والدولة

حجم الخط
تعرفت على الصديق الفضل شلق قبل ما يقارب سبعة واربعين عاما حين التقينا في احد الاحزاب مع بداية عسكرة المجتمع اللبناني، وعلى الرغم من التباين الزمني والمعرفي والثقافي فيما بيننا، الا اننا اجتمعنا في رفض نظرية التثقيف السياسي للمقاتلين، لان عسكرة المجتمعات نافية للسياسة بما هي عملية حوار ونقاش وقبول للاخر على قاعدة المذهب الشافعي رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب، وهذا الاسبوع قرأت كتاب الفضل شلق الجديد تأملات 2022 في الحرية والسياسة والدولة والذي اعادني الى الايام الاولى مع الفضل شلق ولكن بمفهوم معاكس واكثر اهمية وذلك عبر اطروحته في اعادة الاعتبار لمفاهيم الحرية والسياسة والدولة في المجتمعات المعسكرة.

شعرت بالكثير من الرضا والامان واحترام الذات وانا اقرأ شجاعة الفضل شلق بالتمييز بين الحرية والتحرر الوطني وكيف ان الحرية الفردية تؤدي الى تشكيل السياسة والدولة، وان مسألة التحرر الوطني تؤدي الى نظم الاستبداد والتسلط والتخلف، وهي عملية نافية للحرية الفردية القائمة على تعريف الهوية في ان تكون انت ولا انت في آن، اي بما انت عليه الان وما ستكونه خلال تطور الشخصية الفردية والمعرفية واكتساب الهويات المتعددة للفرد الواحد، مما يجعل من شعارات التحرر الجماعي الوطني والطائفي ادوات مانعة للحرية الفردية وخصوصا في مجتمعاتنا حيث كان ولا يزال لا صوت يعلو فوق صوت المعركة القومية والوطنية او الطائفية.

كتاب الفضل شلق يعكس مسيرته الطويلة مع التجارب المتنوعة وتقاطعاتها المعرفية والثقافية والعملانية القائمة على احترام السياسة بما هي ارقى الفنون واسماها واكثرها فائدة للناس، وهي قائمة على ادارة المجتمع على اساس الحوار والنقاش وكيف ان السياسة الافقية تؤدي الى قيام الدول الديموقراطية التي تكون فيها السلطة انعكاس للرأي العام، في حين ان السياسة العامودية تقوم على التسلط والسيطرة واللامبالاة بالقسر والاكراه والاستغلال ويغلب عليها طابع الاستتباع لمن هو اعلى في المنصب او المقام.

يتحدث الفضل شلق عن الخلط بين النظام ومؤسساته العسكرية والقضائية والقمعية وبين الدولة كوعاء يستوعب المجتمع في اطار الحدود الجغرافية ومحتواه ارادة العيش سوية، ويستدل على ذلك بالثورات التي تنادي بسقوط النظام بما هو سلطة تمارس الظلم وليس بسقوط الدولة بما هي وعاء تحقيق العدالة، و يؤكد في ختام كتابه على انه لا شروط على الدولة وهي شرط لما عداها بما هي دعوة للعيش سوية في اطار الحدود المرسومة لنا، وان الاستهانة بالدولة هي في حقيقتها استهانة بالوجود البشري وبالناس وبمصيرهم وان الدولة التي تنغرز في ضمير الفرد لا يقهر مجتمعها مهما كان صغيرا حتى لو جرى احتلال اراضيها.

كتاب الفضل شلق جعلني اشعر بشيء من الامل والتعافي الحقيقي لانني لا اثق بمعالجات المسرحيات الاصلاحية التشريعية، لان وجعنا الحقيقي هو في عدم القدرة على تكوين الدولة الحقيقية وعلاجنا لا يكون باعادة تكوين السلطة وتجديد نظام القهر في المجتمعات اللبنانية المعسكرة منذ ما يقارب الخمسين عام، حيث الغلبة لمن يمتلك القدرة على استخدام السلاح المانع لقيام الدولة، والفضل شلق يعرف ذلك جيدا لانه كان في فريق نجاحات اعادة بناء الدولة مع الرئيس رفيق الحريري الذي لم يستخدم السلاح في عملية تكونه السياسي فكان مصيره الاغتيال.

تأملات الفضل شلق 2022 في الحرية والسياسة والدولة هي ما يحتاجه شابات وشباب لبنان من اجل الخروج من العسكرة المجتمعية الى تكوين المجتمع السياسي والشروع في التخلص من هيمنة نظريات التحرر الوطني والجماعي على الحرية الفردية بما هي جوهر الانسان السياسة والدولة وآمل ان يطرح كتاب الفضل للحوار والنقاش عبر وسائل ومواقع الاعلام من اجل الدولة والمجتمع في لبنان.