بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 حزيران 2023 05:28م المثلية السياسية.. وانعدام الخصوبة الوطنية

حجم الخط
يوم ٤ حزيران ١٩٨٢ مع بداية الاجتياح الاسرائيلي اعتقد الكثيرون بان لبنان سيرجع كما كان قبل السلاح والنزاع وخطوط التماس، فكانت النتيجة هي انتاج مكونات سياسية ما بعد الاحتلال في ٦ شباط ١٩٨٤ وخلافا لما كان قبل الاجتياح والاحتلال، وفي ٢٥ ايار ٢٠٠٠ تكررت ذات الاوهام والرغبات وبعد اغتيال ١٤ شباط ٢٠٠٥ والخروج السوري وانتهاء النفي والاعتقال ايضا توهم الكثيرون بان لبنان سيعود كما كان قبل النزاع والاحتلال والتحرير والاغتيال، وتلك المكونات السياسية بالغت بتقديم الرغبات بالثأر والانتقام وعلى الخصوبة والابتكار والتكامل والخلق والإبداع والايمان بان ما كان لا علاقة له بما سيكون وتلك هي سنة الحياة منذ ان كان الانسان .

ان تاريخ تكون الامم والحضارات والدول هو تجسيد لارادة الخصوبة والتداخل والتزاوج والانصهار والتفاعل الانساني المعرفي والثقافي، وان تلك الحضارات والدول تنهار عندما تغالي بالادعاء والتمايز وعندما تتقدم فيها الرغبات بالتفوق والخصوصية على حساب الخصوبة والتفاعل والتجدد والتمادي بالمثلية السياسية، ونجاح لبنان الكبير جاء نتيجة خصوبة التجربة الوطنية في بيروت المدينة في تجربة مدنية فوق الرغبات العرقية والطائفية والمذهبية والانصهار في الهوية الوطنية الجامعة وبعيدا عن الخصوصيات الطائفية السلبية والمانعة للخصوبة الوطنية.

المثلية السياسية تعني تقديم الرغبات على الخصوبة والانتاج، وهذا ما يحدث في الكثير من المجتمعات العالمية والمتقدمة صناعيا واقتصاديا، اذ تعاني من انعدام الخصوبة المجتمعية وتراجع عدد سكانها الذين آثروا الرغبات على التزاوج والتوالد والانتاج مما اضطرها الى العمل الدائم على استقطاب المهاجرين من اجل تجديد مجتمعاتها وحماية صناعاتها واقتصاداتها مما ادى الى انتشار مظاهر العنصرية والتطرف والتي اصبحت تعاني من انعدام الخصوبة المجتمعية حيث تتعاظم مظاهر العنصرية والعرقية الانطوائية وتتعاظم فيها المخاطر على قواعد الحياة الطبيعية.

ان تعميم ثقافة الظروف الاستثنائية والخصوصيات السياسية المذهبية والطائفية في لبنان هو اشهار واضح للمثلية السياسية والاستسلام لرغبات الانكفاء وعدم الانصهار والخروج على الهوية الوطنية وانعدام الرغبة بالتوالد والتجدد، وان تعاظم ظاهرة الخوف من ظاهرة اللجوء والنزوح هي نتيجة طبيعة، لأن كل ابناء لبنان اما تنازعوا وتفرقوا او هاجروا وتركوا لبنان او انحرفوا نحو تحقيق الرغبات الشخصية والطائفية والمذهبية على حساب الخصوبة الوطنية وتجديد التجربة اللبنانية، وكل الذين اغتيلوا في لبنان كانوا من تلك القامات الكبيرة والخلاقة التي قدمت الخصوبة والتجدد على الرغبات ووجدت بالتواصل والتداخل الانصهار في الهوية الوطنية الجامعة قصة خلاص لبنان.

ان عدم احترام القواعد الطبيعية والمحددة بالمهل الدستورية لانتخاب رئيس جمهورية انما هو خضوع مفرط للرغبات على حساب الخصوبة والانتاج وتمادي الثنائيات في تعميم المثلية السياسية في ممارسة الشغور السياسي، وتقديم رغباتها الطائفية على خصوبتها السياسية، و التمادى بالشذوذ الدستوري، وعدم احترام قواعد الانتظام العام، وتعطيل تشكيل الحكومات وانتخاب الرؤساء وكافة مجالات العمل والانتاج، واصبحت الوطنية تتجسد بالتهافت على السفارات والمنظمات واستجداء جينات الخصوبة من اصحاب السعادة السفيرات والسفراء من اجل توليد رؤساء الجمهورية والحكومات والبرلمان والنواب والوزراء والقادة والقضاة والحكام.

يوم ٤ حزيران ٢٠٢٣ وبعد واحد اربعين عاما على الاجتياح الاسرائيلي لا تزال المكونات تتوهم بان ما كان هو ما سيكون في قادم الايام مع تعاظم ظاهرة الانحراف عن القواعد الدستورية وشيوع المثلية السياسية وانعدام الخصوبة الوطنية.