16 شباط 2024 05:34م المنطقة ومآلاتها ... الدولة او تنظيم الدولة

حجم الخط
كتب أحمد الغز في افتتاحية اللواء:

  تشهد المنطقة مرحلة من اختلال المعايير يصعب معها تفسير التطورات السياسية والامنية نتيجة احتكام المتابعين الى معايير سابقة وإسقاط التجارب القديمة على التطورات الحديثة، مما يجعلنا نعتقد بان العالم في حالة جمود منذ عقود طويلة مما يستدعي تحفيز النخب الإعلامية والسياسية في لبنان التحلي بالشجاعة لتجاوز كل المعوقات القهرية التي تحكمت بالوعي العام نتيجة الاحتلالات والوصايات والمجموعات المعسكرة، مما ادى الى التكيف مع المعايير الغير دقيقة في متابعة التطورات الاقليمية والدولية الدقيقة والسريعة.
            تحاول الدول الكبرى لاول مرة في تاريخها ان تخاطب الوعي الاقليمي بشيء من الوضوح والدقة من اجل اعادة تصويب الاخطاء الكبرى التي تسببت بها ازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع موضوعات الشرق الاوسط على مدى ما يزيد على المئة عام، ولكن النخب لا تزال تعيش هواجس السوابق التي تجرعت مرارتها عندما وثقت بالدول الغربية ومنظوماتها وادواتها الغير فاعلة وربما الغير صادقة في تنفيد كل الادعاءات والشعارات التي اطلقتها من اجل حماية حقوق الانسان او ميثاق الامم المتحدة، مما دفع الامين العام للامم المتحدة غوتيريش الى الدعوة الى استعادة الثقة بالامم المتحدة.
            الاختلال بالمعايير يأتي نتيجة السكوت عن المجازر والابادة الجماعية والارتكابات الدولية بحق شعوب المنطقة وخصوصا في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وايضا في اليمن والسودان وليبيا وغيرها من البلدان التي تعاني من الفقر والحرمان والظلم، مما جعل البعض يعتقد بان المواثيق الدولية والقوانين الانسانية وضعت من اجل شعوب اخرى وخصوصا ان شعب فلسطين يناضل منذ ما يزيد على الخمسة والسبعين عاما من اجل الحقوق التي وضعتها الجمعية العامة للامم المتحدة في القرار ١٨١ لعام ٤٧ والقرار ١٩٤ لعام ٤٨، والتي ادت الى معاناة اللاجئين والنازحين ومئات الاف القتلى مما يجعل من غزة الان البوابة الوحيدة لاستعادة الثقة بالمعايير الانسانية العالمية .
             مجازر غزة اظهرت عدم قدرة الغرب على متابعة الترف بازدواجية المعايير، لان الخلل باستخدام المعايير اصبح يهدد تلك الدول الغربية من الداخل حيث موجات الانكفاء والتطرف والعصبيات الدفينة عادت للصعود وتهدد الشخصية الغربية الديموقراطية نتيجة تجاهلها للمعايير الدقيقة في تحديد شخصيتها وعلاقتها بالشعوب المتطلعة الى بناء مجتمعات ديمقراطية تحترم تداول السلطة والحقوق الفردية والتي اتخذت من المعايير الغربية قاعدة لتجديد مجتمعاتها وبناء دولها، فكانت النتيجة هو ان تلك الدول الحديثة تصرفت مع هذه الشعوب بمنتهى التخلف والقبلية.
            مجازر غزة في شهرها الرابع ايقظت العالم من غفوته وتجاهله للمعايير الانسانية القانونية والوجودية، وما نشهده الان يجعلنا نعتقد بان هناك صحوة مجتمعية عالمية لاعادة الاعتبار لوحدة المعايير الانسانية انطلاقا من اعادة الاعتبار الى مفهوم الدولة من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية الموعودة وصولا الى الدولة الوطنية الحقيقية في كل المنطقة بما هي العلاج الوحيد للمجتمعات المعسكرة والمفككة والتي تمادت في التأقلم مع ساسيات ادارة الازمات واعادة تكوين السلطة على اساس تقاسم المغانم والفساد وتعطيل المؤسسات ومع تعاظم عنف اليمين الديني اصبحت المنطقة ومآلاتها بين الدولة او تنظيم الدولة.