بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 أيار 2020 08:13ص خطة الحكومة: هندسة مالية من دون رؤية إصلاحية

حجم الخط
نجحت الحكومة أخيراً، وبعد معاناة استمرت منذ تشكيلها في لملمة خلافاتها الداخلية حول خيارات معالجة الأزمة المالية التي تسببت بها سياسات الحكومات السابقة وخصوصاً خلال الفترة الممتدة منذ عام 2005 إلى عام 2020، وخرجت بخطة مكتوبة أقرها مجلس الوزراء، مما فتح السبيل امام رئيس الحكومة لتوجيه طلب رسمي إلى صندوق النقد الدولي طالباً مساعدة لبنان على تخطي مفاعيل وارتدادات الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة والتي باتت تُهدّد بإفلاس وانهيار النظام اللبناني برمته.

المؤسف والخطير في الأمر ان مخاطر الانهيار المالي والاقتصادي قد جاءت مترافقة مع أزمة جائحة «كورونا» وما تسببت به من ارهاصات مالية واقتصادية شملت العالم بأسره، بالاضافة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية، والتي قد يتطلب تجاوزها من سنتين إلى ثلاث سنوات وفق الدراسات والتقديرات التي وضعتها المؤسسات المالية الدولية. وكان اللافت ما تسببت به الأزمة الاقتصادية الدولية وتراجع الأنشطة الاقتصادية وحركة النقل من انخفاض الطلب على الطاقة وتدهور الأسعار على المستوى العالمي، والذي سيترك آثاره السلبية على اقتصاديات الدول الخليجية، مع ما يمكن ان يتسبب ذلك من شح في التدفقات المالية التي كانت تصل إلى لبنان عن طريق اللبنانيين العاملين في هذه الدول.

يحتاج لبنان للخروج من أزمته المالية الراهنة إلى تدفقات مالية خلال السنوات الخمس المقبلة تقدر بثلاثين مليار دولار، يُمكن أن يغطي صندوق النقد الدولي عشرة مليارات منها، أما الباقي فيمكن السعي لتأمينه من خلال قروض ومشاريع تمويلية ميسرة يقدمها أصدقاء لبنان من الدول الغربية والخليجية.

لكن لا بدّ ان تدرك الحكومة بأن المسار للحصول على هذه التدفقات المالية الضخمة لن يكون سهلاً، حيث سيتطلب ذلك التزام الدولة اللبنانية بمشروع اصلاحي شامل، لا يقتصر على خطة التصحيح المالي الذي اقرته الحكومة مؤخراً، بل يتعدى ذلك إلى وضع رؤية إصلاحية شاملة، بكل أبعادها الاقتصادية والسياسية، والنبوية، والاجتماعية.

لا بدّ أن تدرك حكومة حسّان دياب، بأن الخطة «التاريخية» التي تغنّت بوضعها ما هي سوى هندسة مالية تهدف إلى اطفاء قسم كبير من الدين العام المترتب على الدولة، بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة المترتبة على مصرف لبنان جرّاء السياسات الخاطئة في إدارة المالية العامة، والهندسات المالية التي اعتمدها الحاكم لتعويم بعض المصارف، وخصوصاً بعد تعرّض بعضها لخسائر كبرى نتيجة استثماراتها في مصر وتركيا.

في الواقع تذهب الحكومة في هندستها المالية هذه نحو سد القسم الأكبر من ديونها من خلال تعويم سعر صرف الليرة اللبنانية، والذي حددته بـ3500 ليرة، بالإضافة إلى عملية اقتطاع نسب معينة من أموال المودعين المتوسطين والكبار، هذا بالإضافة الى تحميل المصارف قسماً من رساميلها وأرباحها خلال السنوات الماضية.

في الواقع لا يُمكن توصيف الخطة التي اقرّها مجلس الوزراء بالخطة الإصلاحية، بل هي عملية «سلب مقونن». ومغطاة من السلطة السياسية لأموال المودعين وللأموال الخاصة، للمصارف، مع تحميل جميع طبقات الشعب اللبناني إلى جزء مهم من عجز المالية العامة من خلال تعويم سعر النقد الوطني مقابل الدولار.

يجب أن تدرك الحكومة بأن الهندسة المالية، التي يجري التبجح بوضعها، لا تداوي أسباب الداء الذي وضع لبنان على شفا الانهيار المالي والاقتصادي، والذي يتمثل بالعجز المتراكم في موازنات الدولة، والذي يأتي كنتيجة مباشرة لوجود ما يزيد على اثنين وثلاثين مزراباً للهدر، بالإضافة للفساد المستشري على المستويين السياسي والإداري، هذا بالإضافة إلى استباحة جميع موارد مالية الدولة من استحقاقات ضريبية، وعائدات المرافق العامة ورسوم جمركية.

يبدو أن الحكومة، قد بدأت من آخر سلّم الأولويات الإصلاحية التي وعدت بإنجازها من خلال البيان الوزاري الذي تقدمت به لنيل الثقة، وان الهندسة المالية التي وضعها المستشارون بالتعاون مع الشركات الدولية التي تعاقدت معها الدولة من أجل ايجاد المخارج اللازمة في المفاوضات المرتقبة مع الدائنين الحاملين لسندات «اليوروبوندز»، بالإضافة إلى دعوة صندوق النقد الدولي للتباحث من أجل إيجاد برنامج إصلاحي شامل تلتزم به الدولة، وانه المبكّر التنبؤ بردود فعل صندوق النقد الدولي على هذه الهندسة المالية التي اعتمدتها الحكومة، لإطفاء جزء هام من دينها العام، بالإضافة إلى خسائر المصرف المركزي.

ستواجه «خطة الحكومة» بعاصفة من ردود الفعل الرافضة لمضمونها، وان أول الغيث قد جاء من جمعية المصارف، والهيئات الاقتصادية، ولكن الرد الأعنف المنتظر سيكون من الشارع، بعدما أدت السياسة المعتمدة من الحكومة والمصرف المركزي الى تدهور قيمة النقد الوطني، والذي انعكس بارتفاع غير مقبول لجميع السلع بما فيها المنتجة محلياً، والتي ستؤدي إلى رفع مستوى الطبقات الفقيرة إلى نسبة 45 - 50 بالمائة من الشعب اللبناني، وبما يؤدي فعلياً إلى ازدياد مستوى النقمة ضد الطبقة السياسية المهيمنة على الدولة، وبالتالي انتقال التحرّك السلمي لانتفاضة 17 تشرين إلى ثورة حقيقية، مع كل ما يُمكن ان يستجلب الجوع من ردود فعل عنيفة.