بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 أيار 2023 05:27م دولة سجعان قزي..ورئاسة الجمهورية اللبنانية

حجم الخط
(مكونات هذه المقالة هي فقرات منتقاة من مقالات المفكر اللبناني سجعان قزي ).

اذا انقسمت امةٌ على نفسها كانت تنشأ عنها امة جديدة. اليوم، اذا انقسمت امة على نفسها تولد حروبا لا امماً، تنشأ سناجق كرتونية تقتات حروبا يومية.. فرجاء حافظوا على لبنان. طوال المائة سنة الماضية تداولت الاطراف اللبنانية جميعا على الانتصار والهزيمة وقلما كانت هذه الاطراف تنتصر او تنهزم بفضل قوتها الذاتية، بل بحكم تحالفات وتبعيات خارجية عربية أو إقليمية او دولية، تحليل ذهنية الطبقة السياسية اللبنانية التي افرزت مرحلة الحروب منذ السبعينات الى اليوم يكشف انها تنفر من الانتظام عموما، ومن الانتظام الدستوري بما يعني من نظام وقوانين واحترام الغير حتى لو كان من جلدتها، نحن جيل (بلا رخصة) وجيل (متى نشاء) وجيل (ما في دولة) ونرى في كل نظام قيدا عوض ان نجد فيه ما يؤنس الحياة الخاصة والعامة.

المفاوضات الجارية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية كشفت مرة اخرى عدم استيعاب غالبية الاطراف اللبنانية والدولية بُعد الازمة اللبنانية التاريخية وحتى لو استوعبته فليست مستعدة لدفع ثمن الحل الصحيح، واقع البلاد يستلزم رئيسا لا يستفز احدا ولا يتحدى احد، لكن انقاذ البلاد يستدعي رئيسا يتحدى كل من يعطل الدستور ويطيح بالميثاق الوطني ويضرب صيغة الشراكة والمحبة، انقاذ البلاد يستدعي رئيسا يضع حدا لحكومات الوحدة الوطنية الزائفة ويحيي اللعبة البرلمانية في النظام الديموقراطي اللبناني، انقاذ البلاد يستدعي رئيسا يتحدى جميع الشواذات المنتشرة في الدولة اللبنانية ومؤسساتها ومجتمعها الانساني، لدينا فائض مرشحين يَستفزون ويُستفزون لكننا نشكو من غياب مرشح إنقاذ ومن غياب ظروف الانقاذ.

لكي نتمكن من انتخاب رئيس جمهورية لا يشكل تحديا لأحد يجب ان نختار رئيسا من خارج المشروعين السياسيين اللذين يشطران لبنان ويقسمانه عموديا وأفقيا، تعسر الحلول السياسية والعسكرية في لبنان اعطى القوى المتصارعة حرية العبث بمصير لبنان، لاطمئنانها الى غياب اي رادع محلي او دولي، فكان الفلتان والسلاح غير الشرعي، والحدود السائبة، وتعطيل المؤسسات، وتجميد الدستور، وشغور الشرعية، وانهيار النقد الوطني، وسقوط الدولة، الاشكالية التي نعاني منها في لبنان هي استحالة تطبيق حل سلمي او حل عسكري كانما لا بد من الجرعتين.

ليس الغياب ان تغادر هذا العالم بل الغياب ان يغادرك الناس، دور رئيس الجمهورية الجديد بمنأى عن حدود صلاحياته، ان يسعى الى احياء القواسم المشتركة بين اللبنانيين اذا كان الامر متاحا بعد، واول تلك القواسم وثيقة (فعل ايمان) جديدة بلبنان تنطلق من مقطع الاغنية الرحبانية (كيفما كنت بحبك)، ماذا يجمع دولة لبنان؟ وماذا يجمع اللبنانيين؟ ماهي قواسمها المشتركة؟ التقينا لتجمعنا القيم والحضارات والثقافات والمبادىء حول لبنان، لكن هناك من انساق وراء عقائد قومية ومشاريع دينية ومذهبية قضت على جميع محاولات تثبيت الفكرة اللبنانية الرائعة.

المتقدم الى رئاسة الجمهورية هذه المرة ليس مرشحا لمنصب دستوري حصرا بقدر ما هو مرشح لمهمة وطنية وتاريخية، مهمة الرئيس ان يعيد لبنان الى الجغرافيا والتاريخ والمستقبل، وكل كلمة من هذه الثلاثية تعني ما تعنيه. في مخيلة كل مواطن لبناني يسكن رئيس جمهورية، يحلم به ويتوق الى وصوله الى الحكم، هكذا تفرز المخيلة الشعبية اللبنانية اربعة ملايين رئيس جمهورية، فيما نفتقد مرشحا للأربعة ملايين لبناني.

تفقد الدولة... أياً تكن الدولة... مبرر وجودها ودورها ككيان راع للمواطن وناظم للمجتمع اذا لم تؤمن للشعب الغذاء والدواء والعمل والعلم والطبابة والاستشفاء والطرقات والاتصالات والكهرباء والماء والمحروقات.
سجعان قزي