15 آذار 2024 03:51م دولة ما بعد المقاومة وانعدام المساحات المشتركة.

حجم الخط
التحولات العميقة التي يشهدها العالم تاتي نتيجة عقود طويلة من انتهاك المواثيق الدولية والقيم الانسانية الجامعة، مما جعل البشرية تعيش في حال من الاختلال بالمعايير وتعدد الازمنة في وقت واحد على قاعدة (خطيئة في البيكاديلي فضيلة في البيرو)، واحزاب الدول الكبرى حولت الديموقراطية الى عملية انتخابية مجردة بحيث اصبح تغيير الرئيس يعني تغيير الدولة وهذا ما يتنافى مع قيم النظم الديموقراطية الصلبة التي لا تختصر بالعملية الانتخابية وتداول السلطة، و لقد اصبحت الدول الاستبدادية ايضا تستخدم الانتخابات كوسيلة لتعميق الاستبداد، والعالم اليوم امام تحدي اعادة الاعتبار الى النظم الديموقراطية وقيمها وقوانينها الانسانية الغير استبدادية.
            التحولات التي يشاهدها العالم باسره تحتاج الى نخبة رؤيوية متمرسة في عمليات التجدد الديموقراطي ونهاية القرن الماضي شهدنا تحولات ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك منظومة حلف وارسو واوروبا الشرقية، وهذه التجربة بالغة التأثير على تجديد الوعي العالمي بمخاطر انهيار الدول العظمى نتيجة وجود نخبة سلطوية تغامر بسياسات ونزاعات غير استشرافية وتحتكم للاستثناءات على حساب القواعد، لان الطموحات الشخصية السلطوية هي التي ادت الى الحروب العالمية وانهيار الامبراطوريات الدينية والدول القومية.
             التحولات العالمية الكبرى تتفاوت تاثيراتها على الدول الصغرى لتباين الطبيعة المجتمعية مما يستدعي وجود نخب وطنية تكون قادرة على استشراف التحولات ومتابعتها بدقة عالية وتسعى الى التكيف الموثوق مع الاتجاهات الصحيحة، لذلك تتفاوت التأثيرات الايجابية والسلبية، ومكونات المنطقة بحاجة ملحة الى اعلان الاستنفار العام لكافة نخبها للشروع في مراجعة نقاط الضعف والقوة في بنيتها الاجتماعية لان الدولة القوية هي انعكاس للتماسك المجتمعي وصلابة المساحات الوطنية المشتركة.
            تواجه المنطقة تحديات قيام الدولة المجردة كوحدة قانونية بصرف النظر عن طبيعة نظامها، ومنها الدولة الاتحادية والدولة المركزية والدولة الفيدرالية والدولة التكاملية والدولة الكونفدرالية الى ما هنالك من انماط كثيرة للدولة الناجزة، مما يستدعي دخول النخب الوطنية في عملية مواجهة قاسية مع الذات والاقرار بان المنطقة باسرها لم تعرف الدولة كوحدة قانونية وفي مقدمتهم النخبة اللبنانية الطائفية والمركزية والفيدرالية والمناطقية والمعسكرة خارج الدولة وداخل الدولة الى ما هنالك من اسباب واسباب ووقائع صلبة تؤكد ان النخبة السلطوية الطائفية لم تعرف الدولة في لبنان.
            ان تعاظم الحديث الدولي عن ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين كاساس لعملية السلام في المنطقة، يعني نهاية كل اشكال المقاومة التي جاءت نتيجة النزاعات والاحتلالات واصبحت بديلا عن الدولة وباشكال مختلفة منها العسكري ومنها الايديولوجي والديني والطائفي والجغرافي على حساب المساحات المشتركة والانتظام العام، وكل المقاومات التي تحكمت بالسلطة هي الان امام امتحان القدرة على ولوج تجربة الدولة المجردة كوحدة قانونية جغرافية ومجتمعية تقوم على مبدأ الحقوق والواجبات واحترام المواثيق الدولية والقانون الانساني وعدم احتلال اراضي الغير بالقوة، مما يعني نهاية تجربة المقاومة والشروع في قيام الدولة الوطنية من الدولتين في فلسطين الى لبنان وسوريا والعراق والسودان وووو.. والتحدي الاكبر امام قيام دولة ما بعد المقاومة هو انعدام المساحات الوطنية المشتركة.