كتابة المقالات السياسية في لبنان تحتاج الى طاقة استثنائية تتجاوز القدرات التعبيرية والبلاغية وحسن المتابعة السياسية، لان الشروط في مجتمع الغيبوبة السياسية اللبنانية والانفصال عن الواقع هي عدم تسمية الاشياء باسمائها والخضوع لتراكمات ثقافة الامر الواقع، والقبول بالتمديدات الرئاسية والاغتيالات الوطنية والحروب العبثية والاوهام التغييرية وتوليد قامات هزلية ونهب دماء الشهداء السياسية ومسرحيات الثورات التغييرية والبطولات التعطيلية واعتبار الشغور من الانجازات الاستراتيجية، الانفصال عن الواقع السياسي وسياسة الامر الواقع تعني الابتعاد عن قواعد الانتظام وعدم مواجهة التحديات الحقيقية والواقعية، وتعميم مشاعر الاحباط الشاملة وعدم الاعتراف بالاخطاء والكوارث التي تسببت بها سياسات صناعة الاوهام الشخصية والقبلية والطائفية.
كتابة المقالات السياسية في المجتمعات المعسكرة بالغة الخطورة، حيث السلاح والدماء هي السبيل الى السلطة في نظام المحاصصة واغتصاب الارادات الوطنية، والمواقع التمثيلية الرئاسية الجمهورية والبرلمانية والحكومية والوزارية والادارية والعسكرية والامنية والتكتلات السياسيةفي مجتمع الاستجداء والاستتباع وتجويف اللغة من مفردات الوجود والحياة كالحرية والابداع والوطنية والاستشراف واحترام حقوق الانسان والنهوض والتقدم والازدهار والتجديد والتحديث ومواكبة الثورات التكنولوجية والحكومات الالكترونية في مجتمع يعيش في اقاصي عصور الظلمات حيث لا كهرباء ولا ماء ولا اعمال ولا بنوك ولا استثمارات، حيث يستمتع القادة العظام بمتابعة اخبار سفيرات وسفراء الدول المختلفة والمتباعدة والمتحاربة فيما بينها، والتي تعقد اجتماعاتها من اجل صناعة مستقبل الاجيال في لبنان.
كتابة المقالات السياسية غاية في الصعوبة عشية الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة العربية الكبرى في حرب فلسطين١٦ايار١٩٤٨، وعشية الذكرى الاربعين للخيبة الكبرى مع اتفاق١٧ايار١٩٨٣،وعشيةالقمةالعربية في١٩ايار٢٠٢٣، والتي يعترض التحضير لها النزعات المسلحة في السودان والاغتيالات الاسرائيلية في غزة وحروب الصواريخ واصطفافات غرب اوكرانيا وشرق اوكرانيا وما يرافقها من مخاطر على المنطقة والعالم باسره الذي يعيش مخاض ولادة نظام عالمي جديد شديد الغموض حتى الان ،مما يستدعي الكثير من الحذر والريبة مع دخول المنطقة في المراهنات على النزاعات بين الدول الكبرى، كما حدث خلال الحرب العالمية الثانية حين راهنت قيادات المنطقة على انتصار الجنرال الالماني (رومل) ثعلب الصحراء في معركة العلمين ، فكانت النتيجة انتصار الجنرال البريطاني (مونتغومري) وتحولنا الى مستعمرات هجينة ومجتمعات نزاع على مدى ثمانينعاما.
كتابة المقالات السياسية يحتاج الى تخاطب مباشر مع عقول خلاقة لها رأيها ومواقفها وتتقن التفاعل مع الرأي والرأي الاخر بصدق وشجاعة واحترام، وكان المفكر اللبناني الصديق سجعان قزي على مدى سنوات طوال في مقدمة من اتخاطب معهم من اصحاب الرأي والرأى الآخر في كل مقال اكتبه وكنت انتظر صباح كل سبت تعليقاته وملاحظاته الدقيقة والصادقة والهادفة، وصباح كل خميس كنت انتظر مقالته السياسية الشديدة العمق والبلاغة والوضوح والشجاعة في الاختلاف والمصالحة والحوار والمواجهة والامل والاسى والمراجعة والاستشراف وكنت اقرأ مقالاته بكل تمعن وتمتع واهتمام، وفي الاسابيع الماضية شعرت بالفراغ النوعي الكبير الذي خيم على كتابة المقالات السياسية الفكرية بعد توقف سجعان قزي عن كتابة المقالات السياسية النوعية، واليوم انا حزين جدا جدا لانني اكتب المقال الاول بالتزامن مع غياب المفكر اللبناني و الصديق سجعان قزي .