15 تشرين الثاني 2017 12:05ص طفرة آثار في الخليج المستهدَف

حجم الخط
في الوقت الذي يزداد الإستهداف الإيراني لدول الخليج وبالذات للمملكة العربية السعودية ومملكة البحريْن،ويقترب الموعد المتعارَف عليه لإنعقاد القمة الخليجية الدورية، مرة في كل دولة، من دون أن يبدو في المشهد الخلافي أن الإنعقاد سيتم في الكويت (التي دورها في إستضافة القمة) ما دامت السعودية والبحريْن ودولة الإمارات لن تشارك وما دامت قطر لا تتجاوب مع المسعى التوفيقي الكويتي الذي يبقى هو الأفضل رغم سائر المساعي الأجنبية التي هي إما غير مشجعة ومثمرة وإما أنها في سعيها كانت ضمناً ترمي حطباً دبلوماسية على نار الخلاف الذي طال أمده، على رغم ما ينتج عنه من خسائر معنوية ومادية...
في هذا الوقت كانت بعض الملامح الحضارية تأخذ طريقها إلى المشهد الحافل بالكلام الكثير الحدة ومحاولات التخريب، الأمر الذي يبعث في النفس شعوراً بالطمأنينة. ففي يوم واحد (الأربعاء 8 تشرين الثاني 2017) كان فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير الرياض، التي تستضيف حتى موعد العودة إلى عرينه البيروتي رئيس الحكومة سعد الحريري، يفتتح «ملتقى آثار المملكة العربية السعودية» الذي تنظِّمه «الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في السعودية» في «مركز الملك عبدالعزيز التاريخي» ويقول في كلمة نيابة عن خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبد العزيز«إننا جميعاً نعي أن الآثار والتراث الحضاري، هي جزء رئيسي ومهم من هويتنا وتاريخنا، ومكوّن أساسي لمستقبلنا، ونؤكد دائماً إعتزازنا بمسيرة الدولة في خدمة التراث والتاريخ، وخاصة التاريخ الإسلامي، والمحافظة على مواقعه، وتهيئتها للإسهام في بناء الوعي والمعرفة بتاريخ الإسلام على أرض بلادنا التي بدأ منها الإسلام، ولتكون شاهداً ملموساً لذلك التاريخ المجيد للأجيال، ونشيد هنا بجهود الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وشركائها بالعمل في هذا المجال المهم بما يتوافق مع الثوابت ولا يخالف العقيدة السمحاء«، ويقول رئيس الهيئة الأمير سلطان بن سلمان الذي يقود بحيوية ملحوظة إمتداداً لحيويته كأول رائد عربي للفضاء عام1985 الطفرة السياحية والآثارية في المملكة «إن ملتقى آثار المملكة العربية السعودية (الأول)، يأتي تحت مظلة مبادرة وطنية تُعنى بالمحافظة على التراث الحضاري. بدأت مرحلة جديدة للإهتمام بالآثار والعناية بها كمولد لمورد ثقافي وإقتصادي يعزز من مكانة هذه البلاد مهبط الوحي والرسالة السماوية وملتقى الحضارات، حيث تبنت الهيئة مشروعاً تطويرياً متكاملاً بهدف إحداث نقلة نوعية في العناية بآثار المملكة بما تشكِّله من أهمية في التاريخ البشري، ووضْعها ضمن سياقات التراث الوطني الذي يشمل الآثار والمتاحف والتراث العمراني والحرف اليدوية رغبةً في بناء مستقبل واعد ومستدام».
كان ذلك قبل ظهر الأربعاء الماضي في الرياض. وفي مساء اليوم نفسه في أبو ظبي كان يتم على «جزيرة السعديات» وعلى مستوى القمة إفتتاح «متحف اللوفر أبو ظبي». ولعله الإفتتاح الفريد من نوعه في منطقة الخليج الذي تخترق الصواريخ الحوثية بين الحين والآخر سماء بعض بلداته وآخرها وليس أخيرها على ما يبدو مُدرجاً في «الأجندة الإيرانية-الحوثية» ذلك الصاروخ الباليستي الذي كان يستهدف مكة المكرَّمة يليه الصاروخ الذي كان يستهدف مطار العاصمة. ولولا تدمير الصاروخيْن لكنا الآن في الأمتيْن العربية والإسلامية نعيش ما هو أخطر بكثير من أزمة صراعات سياسية.
إفتتاح «اللوفر الإماراتي» تم بحضور وليّ عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الحكومة الإماراتية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وملك البحريْن حمد بن عيسى آل خليفة وملك المغرب محمد السادس ورئيس فرنسا مانويل ماكرون ورئيس أفغانستان أشرف غني إضافة إلى مسؤولين من دول أُخرى وكان الجمْع، الذي إفتقد مشاركة بقية دول الخليج وبعض الدول العربية والأجنبية الصديقة ومنها أميركا وبريطانيا ومصر ولبنان، مبهوراً بالمتحف تصميماً ومحتوى والذي بدا في موقعه، حماه الله من صاروخ باليستي إيراني حوثي،على حد توصيف البعض مثل أحد أحياء المدينة الإيطالية العائمة البندقية. وهذا المتحف الذي يعرض المواضيع العالمية بتقنية عالية مع التركيز على التفاعل بين الحضارات، هو المعْلَم الحضاري العمراني الثاني بعد معْلَم مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي توأم مسجد محمد الخامس في الدار البيضاء. وكما ندعو الله أن يحمي «اللوفر الإماراتي»من صاروخ باليستي إيراني حوثي فإن الدعاء موصول بالنسبة إلى مسجد الشيخ زايد. فالذي يستهدف مكة المكرمة لا يستوقفه مسجد أو متحف، رمزان  من رموز الحضارة في الدولة التي تخوض إلى جانب السعودية المواجهة ضد يمن الحوثي وعلي عبدالله صالح.
خلاصة القول إننا عندما نأسف لهذا الإرتباك في شأن القمة الخليجية التي لو يتم إنعقادها فقد تستطيع بحكمة المضيف وحنكته الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت وصاحب أطول مساعي التوفيق وأكثرها إخلاصاً، طي أزمة قطر التي حققت للغريب الإيراني والتركي والأميركي وآخرين عوائد لم يحلموا بها وعلى حساب المستحقين لها من أبناء المنطقة، أما إذا كانت القمة لن تنعقد فهذا مؤشر إلى أمر لا نتمنى حدوثه وهو ذبول تجربة «مجلس التعاون الخليجي» لحاقاَ بتجربة «مجلس التعاون العربي». وبذلك على التعايش المستقر بين دول منطقة الخليج السلام(*).
------------------
(*) تغيب مقالتي في «اللواء» يوم الأربعاء كل أسبوع، وذلك لأنني في صدد إنجاز مؤلفات لي حول القضايا العربية بين مشرق الأمة ومغربها على مدى أربعة عقود توافرت لي خلالها أوراق ووثائق ومحاضر إجتماعات تستوجب مني تصنيفها وإعدادها.