بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 أيار 2021 07:56ص لبنان... اليأس والكراهية والأحقاد

حجم الخط
أحدثت جائحة كورونا صدمة قوية للعقل البشري وحولت مقولة القرية الكونية من فكرة افتراضية الى حقيقة واقعية داهمة وشديدة القسوة، بعد ان سيطر الوباء على الكرة الارضية بأكملها وادخلها تحت الاستعمار الوبائي المباشر الذي فرض قواعده وضروراته وقيمه على البشرية المتباعدة والمتباينة وجعلها تدخل في حالة من الوعي الوجودي الواحد وان تتقاسم الشعور بالخوف والجهل والعجز، واستطاعت كورونا اسقاط كل الفوارق والمعايير بين الاقوياء والضعفاء والمجتمعات المتقدمة والمتخلفة وتجاوزات سرديات ويلات الحروب العالمية الحديثة وغزوات الامبراطوريات القديمة. 

تشهد المنطقة جهودا مكثفة من اجل الابقاء على قواعد ومعايير عالم ما قبل كورونا في محاولة للهروب من طغيان المجهول وعدم اليقين وتحول البديهيات في الواقع المستجد بعد الوباء، والذي يحتم علينا التفكير في صياغة الاسئلة الكيفية الجديدة في الوجود والعمل والحياة، ويحاول بعض النخب في لبنان والمنطقة تجاهل كل تلك المتغيرات وخصوصا في عالم السياسة والاعلام والاستهتار بالوعي المجتمعي العام للتطورات والتحولات، وذلك عبر الاسقاطات المتكررة لمعايير السياسات القديمة الاقليمية والدولية على الوقائع والأحداث المستجدة في المنطقة والتي تستأثر باهتمام دولي واقليمي غير مسبوق على مستوى الحكومات والمجتمعات وتعاني تلك النخبة من عدم القدرة على متابعة الوقائع الجديدة ومآلاتها وتأثيرها على صناع السياسات في المنطقة والعالم. 

البعض يتوهم بانه يقدم خدمات افتراضية لجهات سياسية في المنطقة رغم ان تلك الجهات على تماس مباشر وحقيقي مع ذلك التحول العالمي الكبير على مستوى البشرية جمعاء، وتلك الدول وقياداتها تتحرك بسرعة واضحة لملاقاة التطورات العالمية بدقة وواقعية بعيدا عن شطحات الادوات الاعلامية، وفي لبنان يتنافس العديد من القادة والنشطاء وبعض الاعلاميين والمغردين على التشاطر في تجاهل التطورات والتحولات في المنطقة والعالم وعودة الاهتمام بلبنان على قائمة الاولويات الدولية بمعزل عن فشل وتعثرات اهل السلطة في لبنان.

المجموعات السلطوية تأمل في عودة لبنان الى متاهات المراجعات الطائفية البائسة في محاولة لإستعادة مشروعية الخصوصيات الطائفية بما هي فوق القانون وفوق الدستور وفوق الوحدة المجتمعية وتلك الخصوصيات كانت على مدى مئة عام المانع الأول لقيام الدولة الوطنية، وشكلت الغطاء المقدس لكل عمليات الرق السياسي والفصل العنصري الطائفي والتفكك المجتمعي وتحاول مكونات السلطة الطائفية المتداعية إعادة لملمة حطامها السياسي والاداري والمالي والانمائي والامني نتيجة عدم ادراكها هول التحولات الجوهرية في لبنان والمنطقة والعالم. 

أعادت جائحة كورونا الانسان في كل مكان الى بديهيات قواعد الانتظام الوجودي الصحية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية والانسانية واهمية احترام المعايير الناظمة للتطور البشري عبر آلاف السنين وضرورة التمييز بين ثبات الحاجات والرغبات البديهية وتنوع وتطور ادوات تحقيقها، وربما نكون في لبنان والمنطقة امام نهاية عقود من الانخراط في متاهات ما بعد الحرب الباردة وما بعد اليمين واليسار وتعاظم ظاهرة النزعات القومية والدينية والاحادية وما بعد الارهاب والبرجين واحتلال افغانستان وبغداد وما بعدهما على مدى عشرين عاماً من الارتجالات والتدخلات والاختبارات والانتقامات والانهيارات والعبث بوحدة دول ومجتمعات بلاد الشام.

إن لبنان امام بدايات جديدة تستدعي دقة المتابعات واستنهاض الطاقات الايجابية بعد ان امعنت المراجعات السلبية وثقافة اليأس والكراهية والاحقاد في تدمير مستقبل أجيال وأجيال من شابات وشباب لبنان.

ahmadghoz@hotmail.com