بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 آذار 2021 12:02ص لبنان في عين العاصفة... ينتظر المخلّص

حجم الخط
لا يمكن أن أُتّهم بالمغالاة إذا قلت بأن لبنان قد أصبح فعلياً في عين العاصفة بعدما قفز سعر الدولار من عتبة عشرة آلاف ليرة إلى خمسة عشر ألف ليرة في غضون أيام معدودة. إن الحالة الراهنة تؤشر إلى بداية سقوطه الحر إلى قعر الهاوية.

يحق لكل مواطن لبناني ان يسأل السياسيين الذين أوكلهم إدارة شؤون البلاد نيابة عنه أسئلة مشروعة: أين هي حقوق كمواطن؟ أين هي حقوق طائفتي؟ أين هي حقوقي وكرامتي كإنسان؟ ولن يكون هناك من مجيب عن أي من هذه الأسئلة.

إن التدهور الاقتصادي والمالي الذي نشهده اليوم ما هو سوى نتيجة السياسات الخاطئة التي اعتمدتها هذه الطغمة السياسية الفاسدة والفاجرة، والتي استمرت في نهب المال العام، وتمويل الموازنات خلال ثلاثين سنة من خلال الاستدانة من ودائع اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، إلى أن نفدت هذه الودائع وأفلست معها البنوك وعامة الناس. وكان من الطبيعي أن تؤدي عملية الإفلاس للكساد الاقتصادي ولانهيار قيمة النقد الوطني.

كان يمكن ألا تتحول عملية الإفلاس إلى كارثة وطنية لو تحلت الطبقة السياسية بأحزابها وتياراتها وكتلها النيابية بالحد الأدنى من المسؤولية والحكمة، بحيث تفتح الباب أمام تشكيل حكومة إصلاحية، قادرة على استعادة الثقة بالدولة داخلياً وعربياً ودولياً.

وكان من سوء الطالع أن يتعرض لبنان للسقوط اقتصادياً ومالياً في ظل أزمة جائحة كورونا والتي ترافقت مع النتائج المدمرة لانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، متسبباً بمقتل ما يزيد على مائتي قتيل وبضعة آلاف جريح، وتدمير جزء كبير من المدينة.

أدت هذه الأزمات المتشابكة إلى إفقار الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني، حيث بلغت نسبة الفقر ما يزيد على 60 بالمئة، والبطالة نسبة 45 بالمائة، مع تهديد ربع السكان بالمجاعة. هذه هي جهنم بالذات التي دعانا إليها الرئيس ميشال عون.

على الصعيد السياسي وبعد اندلاع الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين أول عام 2019 سقطت حكومتان. وتواجه البلاد مأزقاً سياسياً خطيراً يتمثل في عجز القوى السياسية في التوافق على تشكيل حكومة اختصاصيين من غير السياسيين، قادرة على تنفيذ بعض الإصلاحات الكفيلة، بفتح أبواب المساعدات والاستثمارات العربية والدولية لتخفيف نتائج الأزمة على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي. من المؤسف أن نرى بأن رئيس الجمهورية وكتلته النيابية يقودان علانية عملية تعطيل تشكيل الحكومة المطلوبة، تارة بحجة الدفاع عن حقوق المسيحيين، وطوراً من خلال الحرص على التقيّد بالدستور، وبالتالي حفاظاً على صلاحيات رئيس الجمهورية كشريك في تشكيل الحكومة، في الوقت الذي يدرك فيه معظم اللبنانيين أن المشكلة تكمن في تمسك التيار الوطني الحر بالمواقع والمكاسب التي اعتاد على احتلالها وعلى تحقيقها منذ دخوله إلى السلطة بعد عودة العماد عون من منفاه في فرنسا.

كان من الطبيعي أن تهتز الأوضاع الأمنية جراء الفراغ الحاصل في السلطة التنفيذية منذ اندلاع الانتفاضة، مع بروز مخاطر فعلية بتردي مستوى الحماية التي يؤمنها الجيش والقوى الأمنية، بسبب استهلاك طاقاتها في عمليات متواصلة لمواجهة الانتفاضة الشعبية. وتواجه القوى العسكرية والأمنية المزيد من مخاطر الضعف والتفكك في ظل التدهور النقدي الحاصل، والذي أتى على 90 بالمئة من القيمة الشرائية لأفرادها.

في ظل هذه المواجهات العبثية بين القوى السياسية حول تشكيل الحكومة الإصلاحية المطلوبة، تبرز مخاطر تحوّل لبنان إلى دولة فاشلة، ومفككة مع احتمال العودة إلى الفتنة والحرب الأهلية. وفي حال تأخر حصول الفتنة أو اندلاع الحرب بين الطوائف والمذاهب كان لبنان يواجه مخاطر خسارة رصيده الإنساني والبشري من خلال هجرة شبابه وكادراته المهنية من أطباء ومهندسين وتقنيين. ولن تقتصر الهجرة باتجاه أوروبا وكندا وأوستراليا على اللبنانيين، بل ستشمل أيضاً النازحين السوريين، وبأعداد من الصعب استيعابها في الدول المقصودة.

ولا بد من التحذير من تنامي التطرف في ظل غياب القرار السياسي وضعف القدرة الأمنية، مع احتمال قوي أن تتحول مخيمات النازحين السوريين والفلسطينيين إلى بيئات حاضنة لخلايا إرهابية لداعش أو للقاعدة، وهذا ما تؤشر إليه فعلياً بعض الخلايا الإرهابية النائمة، والتي تمت تصفيتها بعد عملية اغتيال الشبان الثلاثة في كفتون.

لا بد في هذا السياق من الحديث عن مجموعة من العوامل المهمة التي ساهمت في تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية في لبنان، وفي تسعير الأزمة السياسية لمنع تشكيل حكومة إصلاحية، وأبرزها:

أولاً، سلاح حزب الله مع ما يؤمنه من هيمنة لقيادة الحزب على قرار السلام والحرب، وفائض النفوذ الذي بات يتمتع به على كل مفاصل القرار داخل مؤسسات الدولة، وخصوصاً المؤسسات الأمنية والسياسية، من خلال أكثرية نيابية يسيطر عليها من خلال تحالفاته مع عدد من التيارات والتكتلات النيابية.

ثانياً، النفوذ الكبير الذي يتمتع به حزب الله على رئيس الجمهورية انطلاقاً من تحالف مار مخايل، والدور الأساسي الذي لعبه الحزب في تأمين وصول العماد عون إلى الرئاسة. في مقابل هذا النفوذ الذي يتمتع به الحزب، فقد استفاد التيار الوطني الحر من دعم حزب الله لفرض سياساته على الحكومات التي تعاقبت على الحكم منذ عام 2009 وحتى اليوم.

ثالثاً، فتحت الحصانة والدعم الذي أمنه الحزب للتيار شهية جبران باسيل لتحقيق هيمنته على القرار السياسي داخل مجلس الوزراء، وفتح معركة وصوله إلى رئاسة الجمهورية منذ بدايات عهد العماد عون، وذلك تحت شعار الدفاع عن حقوق المسيحيين. ويبدو بأنه سيستمر في لعبة الهروب إلى الأمام، حيث لم تعد تنفعه لعبة الدفاع عن حقوق المسيحيين، فأعلن تمسكه بمشروع المشرقية، وحماية الأقليات المسيحية، وذلك رداً على انكشاف ادعاءاته بالدفاع عن حقوق المسيحيين على يد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، في ظل دعواته لحياد لبنان ولانعقاد مؤتمر دولي من أجل حماية الكيان وتكريسه بالإضافة إلى ضرورة تنفيذ الطائف، وصولاً إلى الدولة المدنية.

رابعاً، من الأخطار التي تعمق الأزمات التي يواجهها لبنان الحصار والمقاطعة المفروضة عليه من قبل الدول العربية الخليجية ومن الدول الغربية، وذلك على خلفية النفوذ الذي يتمتع به حزب الله داخل مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى الأدوار العسكرية التي أداها الحزب في سوريا والعراق واليمن، ولا يمكن تناسي حملات الحزب على الدول الخليجية وعلى العائلات الحاكمة.

ولا بد هنا من التذكير بمواقف العهد وبالدبلوماسية التي اعتمدها الوزير باسيل عندما كان في وزارة الخارجية، حيث كرّس كل جهوده وسخّر الموقع للدفاع عن محور المقاومة وعن النظام السوري في مواجهة سياسة المقاطعة التي تعتمدها الولايات المتحدة والدول العربية.

خامساً، من الأسباب المباشرة التي أفشلت مساعي مصطفى أديب، وهي تقف عائقاً أمام جهود سعد الحريري لتشكيل الحكومة تمسك رئيس الجمهورية وتياره بالحصول على الثلث المعطل في الحكومة العتيدة، بالإضافة إلى تمسكهم ببعض الوزارات وعلى رأسها وزارة الطاقة للاحتفاظ بمكاسبهم، ومنع أية إجراءات إصلاحية فيها بناء على تراكم العجز في موازناتها، والذي يقدر بخمسين مليار دولار خلال عشر سنوات.

لا يمكن أن يستمر لبنان في إضاعة الفرص في ظل هذا السقوط المتسارع نحو قعر الهوة، ولا يبقى أي أمل في وقف الانهيار الحاصل إلا من خلال دعم وتفعيل الانتفاضة الشعبية، ودعم مبادرة البطريرك الراعي لإعلان حياد لبنان، وعقد مؤتمر دولي لمساعدته سياسياً واقتصادياً على النهوض من حالة الدولة الفاشلة التي يتخبط فيها.

يبرز في رأينا مدى أهمية استمرار المبادرة الفرنسية ودعوة الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأساسية كألمانيا وبريطانيا إلى جانب الدول الخليجية لبذل مساعيها الحثيثة لمساعدة الشعب اللبناني وانتشاله من خطر المجاعة والهجرة. ولا بد أيضاً من الذهاب إلى مجلس الأمن بدعم عربي ودولي، من أجل استصدار قرار دولي يؤمن استعادة لبنان لسيادته على أرضه وقراراته، في ظل وجود حكومة قادرة على إصلاح الدولة، وإصلاح القطاع المصرفي، ومن ضمنه مصرف لبنان، والذي لعب دوراً أساسياً في تشجيع الفساد والفاسدين على نهب المال العام من خلال تسهيله لعمليات الاقتراض الداخلي.

يبقى إنقاذ لبنان من محنته ضرورة كبرى للبنانيين أولاً، وللمنطقة وتوازناتها ثانياً، وكمثال للعيش والتآخي بين المسلمين والمسيحيين ثالثاً، ولا بد من المبادرة الآن، وقبل فوات الأوان، وليدرك الأصدقاء والحلفاء بأن المستفيد الوحيد من سقوطه سيكون حزب الله، وعلى حساب كل المكونات اللبنانية.

العميد الركن نزار عبد القادر