بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 نيسان 2020 12:57ص لبنان يسير بالمقلوب

حجم الخط
قبل أيام معدودة أثارت مسودة الخطة الاقتصادية، التي سربتها الحكومة، ردود فعل رافضة لجهة ما تضمنته من اقتراحات لاجراءات مالية، كان أبرزها اقتراح اقتطاع أموال المودعين في المصارف، وذلك لإطفاء ما يقارب 62 مليار دولار من ديون الدولة، كان من الممكن أن لا تقتصر الردود الرافضة لمشروع الحكومة في سرقة أموال النّاس على النقاش الإعلامي الذي شهدناه في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، وان يشمل حراكاًً قوياً في الشارع لو لم تأت جائحة «كورونا» لتقدم لحكومة دياب والعهد مظلة واقية، من خلال فرض حجر صحي قسري على قوى الثورة، التي رفضت منذ البداية هذه الحكومة، والتي جاءت كإضافة لا لزوم لها لفريق سياسي يمثل القسم الأساسي والأقوى في النظام السياسي المشكو من فساده، وعدم كفاءته في إدارة شؤون البلاد، منذ ما يزيد على ثلاثة عقود.

من المؤسف ومن سوء طالع الثورة انتشار جائحة «كورونا»، والتي استغلتها الحكومة لتفرض اغلاقاً قسرياً وكلياً على البلاد، وان تطلق يد قواها العسكرية والأمنية لتطبيقه بإجراءات قانونية «زجرية» تحت ذريعة حماية المجتمع من مخاطر «كورونا»، والتي لم تشكّل باصاباتها المحدودة حالة وبائية خطرة، على قرار ما حدث في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية. من الواضح بأن الحكومة والطبقة السياسية، وطغمة النظام المصرفي قد استغلت الأجواء الخطرة التي أثارها تفشي الوباء في الدول الأخرى، لتفرض أجواء من الرعب بين اللبنانيين من خلال تدابير الاغلاق القسري، والذي أصبح من المفترض رفعه من أجل تخفيف الاعباء المعيشية عن كاهل العائلات الفقيرة، وتسهيل عودة العمال المياومين إلى أعمالهم.

لكن، يبدو أن الحكومة ستستمر في فرض أجواء الحجر القسري، الذي يرفع عنها مخاطر الضغوط التي يُمكن أن تتسبب باسقاطها، والتي سيمارسها الثوار في الشارع عند استئنافهم لتحركاتهم الرافضة للحكومة، ولأدائها السيئ، والذي بات يؤمن المساحة اللازمة لاستعادة الثنائي السياسة والمصارف المبادرة، وتشريع سرقة ما تبقى من أموال الشعب في المصارف، المستفيدة من الاغلاق ومن تواطؤ مصرف لبنان معها، والذي يستمر حاكمه في عدم كشف حجم الاموال المهربة إلى الخارج، أو إعطاء لائحة بأصحاب هذه الأموال، بحيث يُمكن ان يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود في عملية النهب الممهنج التي حدثت في ظل هذا النظام الغارق في الفساد.

استكمالاً للمشاهد المروعة والدامية في هذه «الدراما الاغريقية» التي يعيشها الشعب اللبناني في ظل هذه السلطة الفاسدة ينعقد مجلس النواب في قصر الأونيسكو لبحث مجموعة من مشاريع القوانين الإصلاحية إلى جانب إقرار مشروع قانون للعفو العام، بحجة اكتظاظ السجون وضرورة حماية نزلائها من جائحة «كورونا»، في الوقت الذي لم تشهد السجون أية حالة إصابة بالفيروس، وهنا لا بدّ أن نسارع إلى إبداء مخاوفنا وتحذرنا من تضمين القانون، وبصورة خفية، مادة غامضة، يمكن الاجتهاد من خلالها لاعفاء السارقين والمرتشين من سياسيين وموظفين رسميين من أية ملاحقة قانونية للاقتصاص منهم، وبالتالي وقف أية جهود لاسترجاع المال المنهوب ونحذر من إمكانية حدوث خديعة كبرى من هذا النوع، وذلك قياساً علی تشريع قانون العفو العام، الذي طوى جميع ما ارتكب من جرائم قتل وتخريب ونهب بحق الشعب اللبناني، والذي جرى تشريعه كجزء من اتفاق الطائف، والذي قضى بتحويل جميع أمراء الحرب والجلادين إلى حكام، ينظرون بالعفة، في الوقت الذي استمروا فيه بجلد الشعب وسرقة أمواله ورزقه.

في لبنان، يمكن القول بأن كل شيء يسير بالمقلوب ، حيث يجتمع المجلس لنشريع قوانين إصلاحية تساعد على الخروج من الازمة المالية والاقتصادية الراهنة، مع الاقتصاص من السارقين والفاسدين، في الوقت الذي لا تتوافر فيه خطة إصلاحية واضحة، يتطلب تنفيذها وجود مثل هذه التشريعات.

المجلس النيابي في جلساته التشريعية يضع «العربة أمام الحصان»، إذ أن المنطق يدعو لوجود خطة إصلاحية عامة، تسبق القوانين، والتي لا بدّ من تشريعها انطلاقاً من مستلزمات تنفيذ بنود الخطة الإصلاحية، وفي ظل توافر النوايا والمسؤولية الوطنية لدى الحكومة للاصلاح، وإنقاذ البلاد من الانهيار.

في رأينا جاءت جائحة «كورونا» كرافعة للطبقة السياسية ولاصحاب المصارف ولحاكمية مصرف لبنان من غضب الشارع والذي تظاهر لأشهر مطالباً بإسقاطهم ومحاكمتهم، وبالفعل فقد استغلت هذه القوى الجائحة لاستعادة أنفاسها وتوازنها بفرض حال الاغلاق، مع ما يرافقها من أجواء الرعب المفتعلة. لبنان يسير بالمقلوب منذ الاستقلال، ويبدو بأن هذه المسيرة مستمرة بنفس الاساليب والزخم، ولم يعد هناك أي أمل بتصحيحها الا من خلال ثورة حقيقية قادرة على تفكيك هذا النظام، ولا يبدو بأن هذا العهد قادر علی تغيير سلوكية السير بالمقلوب التي سلكتها جميع العهود السابقة (باستثناء عهد فؤاد شهاب)، والتي وضعت البلاد أمام خطر التفكك والإنهيار.