بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 تشرين الثاني 2021 07:11ص الارتطام الأفظع

حجم الخط
الفساد المستشري في لبنان تحوّل إلى مرضٍ عُضال ينخر جسم الدولة ويفتك باللبنانيين بضراوةٍ بدت معالمُها تتضح مع ملامح تدهور العملة الوطنية وما تبعه من انهيار القطاعات الحيوية الواحد تلو الآخر. تعثّرت المصارف واحتُجزت أموال المودعين، وشُلّت الصناعة الوطنية بتعذّر استيراد المواد الأولية، وشَحَّت المحروقات فاصطفَّ المواطنون في طوابير لا تنتهي أمام محطّات المحروقات، وأُقفلت الجامعات والثانويات والمدارس، ودَخلت الكهرباء في الغيبوبة منذ زمن لتملأ فراغها المولّدات الخاصة، وبات القضاء موضوعًا خلافيًا للمرة الأولى فانقسم اللبنانيون بين مؤيد ومُعارض لإجراءاته وما عاد العدل أساس المُلك، وآخر مشاهد الدراما اللبنانية تمثّلت في عجز القطاع الصحي والإستشفائي عن معالجة المرضى.

وفيما الحبل يلتف على أعناق اللبنانيين، كانت الحكومات تتهاوى بعد فشلها الذريع في التخفيف من معاناة اللنانيين ثم تستقيل. الإنتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول 2019 أسقطت الحكومة، وانفجار الرابع من آب 2020 أطاح بالحكومة التي خلَفتها، فاصطَبَر اللبنانيون على مدى 13 شهرًا ولادة الحكومة الحالية التي ما كادت تنال ثقة المجلس النيابي وتبدأ جلساتها حتى ترنّحت وأصيبت بالشيخوخة المبكرة فعُلّقت جلسات مجلس الوزراء حتى إشعارٍ آخر فيما الشعب يصرخ ألماً من ارتطامٍ إلى آخر، ولا من يسمع ولا من يجيب. 

في هذا الجوّ القاتم كثُر الحديث عن ارتفاع مستمرّ لنسبة العائلات التي تعيش تحت خط الفقر وكيفية «إعانتها» وليس انتشالها من براثن الفقر ونتائجه، لكنّ الإرتطام الأفظع حصل هذا الأسبوع بعدما تلقّى اللبنانيون نبأ رفع الدعم عن الأدوية، ولم تنفع تبريرات المسؤولين حول بقاء دعم جزئي أو نسبي أو تصنيف دعم أمراض وغير ذلك للتخفيف من وقع الصدمة؛ بالنسبة للمواطن ليست الخطوة السوداء سوى دعوة إلى الموت البطيء دون سلاح ودون حرب ودون كورونا ولا حتى بحادث سير بل بكل بساطة مواجهة المرض دون دواء ولا طبيب.  

هكذا رأى المسؤولون الحلّ في جلد المواطن بدل مكافحة التهريب، ورفع الدعم بدل وضع حدّ للفساد، وإبدال الأفعال بالأقوال. وفي الوقت الذي يدور فيه السجال حول استقالة وزير وحادثة الطيّونة والمحقّق العدلي، استقالت الدولة برمّتها من المسؤولية وحمّلتها للشعب كونه مصدر السلطات!

إنقاذ ما تبقى هو العنوان الأخير، لأنّ كل شيء قد زال،ووحدهما الألم والموت هما الباقيان.