في خضم المجازر المستمرة في غزة، مررنا بخبر سريع، لم نُعطه ما يستحق من إهتمام، رغم أن أبعاده تتجاوز بمسافات مسرح الحدث، وتغوص في شخصية صاحب الحدث.
إنه حادث السير الذي تعرض له الوزير الإسرائيلي اليميني المتطرف بن غفير، والمتهم بقيادة الدولة العبرية إلى حرب أهلية بين الحريديم المتعصبين بتطرف معروف، وبين العلمانيين واليساريين الذي كانوا وراء قيام الدولة اليهودية، وتولّوا إدارة الحكم فيها في العقود الأربعة الأولى من عمر الكيان الصهيوني.
ليس تفصيلاً وقوع حادث سير لشخصية مثيرة للجدل مثل بن غفير، دون التوقف عند الخلفيات الشخصية والنفسية وراء الحادث بهذه الخطورة كاد يتسبب بالموت لبن غفير ومن كان معه من أفراد عائلته.
التحقيقات أظهرت أن سيارة «وزير الفتن» كانت تتجاوز بسرعة إشارة السير الحمراء، ودون أن تتقيد بالتوقف عند تقاطع خطر، فكان أن حصل الاصطدام مع سيارة قادمة من يمين الطريق المفتوح بالإشارة الخضراء، وكان أن إنقلبت سيارة بن غفير نتيجة الصدام بين المركبتين المسرعتين، ونُقل الأخير إلى المستشفى مع إحدى بناته التي كانت إصابتها بالغة.
السؤال : لماذا أعطى بن غفير التعليمات لسائقه بتجاوز إشارة التوقف، والإندفاع بمثل هذه السرعة على مفترق طرق خطر؟.
وإستطراداً: ما هي الحالة النفسية التي تدفع صاحبها لإرتكاب مثل هذه الحماقات، ودون التحسُّب كفاية لمخاطرها؟
صديقتي المتخصصة بعلم النفس وأنماط السلوك البشري، أجرت تحليلاً نفسياً لملابسات هذا الحادث، وخلصت إلى إستنتاجات يمكن إختصارها بالنقاط التالية:
حالات من القلق والتوتر الشديدين يمكن أن تدفع صاحبها إلى إتخاذ قرارات متسرِّعة دون تفحُّص مخاطرها.
المعاناة المترتبة عن الشعور بالذنب والإحباط، في حال الفشل والإخفاق في تحقيق هدف ما، كان صاحبه يعلق عليه آمالاً كبيرة.
وقوع الشخص المعني أسير حالة من العظمة المفرطة، واعتبار نفسه فوق مستوى أترابه، ويخيّل إليه أنه فوق القانون، مما يدفعه إلى التمرد على قواعد الإنتظام العام، وتعريض المجتمع، وليس شخصه والمحيطين به فقط، إلى مخاطر ليست بالحسبان.
وتخلص إلى القول: إن مثل هذه الحالات تُفقد صاحبها التوازن النفسي والفكري، وتضاعف إحتمالات إصابته بالإكتئاب والإحباط، بسبب شعوره بالعجز والخزي، لأنه لم يستطع تحقيق الهدف، أو الأهداف، التي كان يسعى إليها.
لا ضرورة لإسقاط هذه التحليلات على الحياة اليومية لبن غفير، بعد أكثر من ٢٠٠ يوم على الحرب على غزة، دون أن تحقق أهدافها الأساسية: تحرير الرهائن والقضاء على قيادة حماس !
د. فاديا كيروز