بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 شباط 2023 12:00ص أهداف المتطرّفين في لاهاي وستوكهولم... الإسلام وكيف نفكّر؟

حجم الخط
لننظر إلى أهداف المتطرفين في لاهاي وستوكهولم أولاً من حرق نسخة من القرآن الكريم وتمزيقها، وثانياً من التأكيد والإصرار على تكرار هذه الأفعال المثيرة للكراهية والعداء تجاه كتاب الله العزيز، والمستفزة لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم في العالم، ثم لتكون هناك ردود الفعل المناسبة وفقاً لما جاء في كتاب الله القوي الحكيم. وهكذا عندما نطرح السؤال: الإسلام وكيف نفكر؟ نكون قد بدأنا بوضع أنفسنا وعقولنا في المكان الصحيح قبل المضي في عملية التفكير واتخاذ القرارات وتنامي الفعل وردوده في مواجهة الأهداف الشيطانية للمعتدين والمستهزئين بآيات الله، ومرامي العداوة البغيضة والشديدة مع الله سبحانه وتعالى، ومع المسلمين المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله.
موجات الغضب والإدانات
موجات الغضب والصدامات مع الشرطة والمظاهرات والإدانات الدولية الواسعة، والبيانات والتصريحات المقتضبة والمطوّلة، وحملات مقاطعة البضائع والمنتجات الهولندية والسويدية تواصلت بعد قيام اليميني المتطرف «راسموس بالودان» رئيس حزب «الخط المتشدد» بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في العاصمة السويدية ستوكهولم في يوم السبت ٢١/١/٢٠٢٣، وتلاه بعد يومين المتطرف «إدوين واجنسفيلد» رئيس حركة «بيغيدا» (وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب) المتطرفة المناهضة للإسلام في هولندا، الذي قام بتمزيق وتدنيس وحرق المصحف الشريف في مدينة لاهاي الهولندية.
وقبل ذلك كان «لارس ثورن» رئيس حركة «أوقفوا أسلمة النرويج» قد أحرق نسخة من القرآن في ٣ تموز ٢٠٢٢ في ضواحي العاصمة النرويجية «أوسلو»، وهي أفعال متكررة وتدل على عدم اكتراث المتطرفين والعنصريين أمثال «واجنسفيلد» و«بالودان « و«ثورن» بجميع هذا الصخب والغضب في العالمين العربي والإسلامي من تركيا إلى مصر والسعودية والإمارات وسلطنة عمان والأردن وفلسطين ولبنان وباقي الدول، وكذلك الإدانات الصادرة عن «منظمة التعاون الإسلامي» و«رابطة العالم الإسلامي» و«مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف» و«مجلس الإفتاء السويدي» الذي استنكر موافقة السلطات السويدية على هذا العمل تحت باب الحريات، و«مجلس التعاون الخليجي» و«الجامعة العربية» وباقي المنظمات، واستنكار العديد من المسؤولين في روسيا وألمانيا والسويد نفسها، والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ومنظمة «تحالف الحضارات» التابعة للأمم المتحدة.
الموقف التركي كان واضحاً عبر وزير خارجيتها «مولود جاويش أوغلو» في اعتبار الحكومة السويدية شريكة في حادثة حرق القرآن في ستوكهولم، وإعلان رئيس الشؤون الدينية «علي أرباش» عن عزم تركيا على تقديم دعاوى أمام محاكم ١٢٠ دولة رداً على الاعتداءات على الإسلام ورموزه.
والكلمة الأبرز كانت للرئيس «رجب طيب أردوغان» الذي قال في خطاب ألقاه عقب اجتماع الحكومة في أنقرة: «إذا كنتم لا تحترمون المعتقدات الدينية لتركيا أو المسلمين، فلا تنتظروا منا أي دعم في ما يتعلق بعضويتكم في الناتو».
المتطرف «بالودان» أعلن أنه سيقوم بحرق نسخة من القرآن في كل يوم جمعة في الدنمارك حتى يتم قبول عضوية السويد في الناتو. وعلى عكس ذلك. قال «نيد برايس» المتحدث باسم الخارجية الأميركية للصحافيين: إن حرق كتب تُعدّ مقدّسة للكثيرين هو عمل مهين للغاية، وأمر بغيض، ومثير للاشمئزاز وكريه، ويهدف إلى الاستفزاز، وربما إلى إحداث التباعد بين حليفين مقرّبين (السويد وتركيا)، وإلى التأثير على المناقشات الجارية بشأن انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، ومع ذلك دافع برايس عن موقف السويد في دعمها لحرية التجمع، معتبراً أن الفعل قد يكون قانونياً ومشيناً في آن معاً.
كيف نفكر؟
هنا تجب العودة إلى السؤال: الإسلام وكيف نفكر؟ وما هي أهداف المتطرفين والمعادين للإسلام؟ وماذا يعني التأكيد والإصرار على تكرار هذه الأعمال الاستفزازية والمثيرة للكراهية والإسلاموفوبيا بالرغم من ردود الأفعال الواسعة على مستوى الدول العربية والإسلامية والعالم؟
لا شك أنه يجب التوقف هنا عند غايات هذا العقل الشيطاني والمدمر الذي يبدو وكأنه يعيش ويتغذى وينمو على هذه الردود - الصادرة بحسن نيّة دعنا نقول - طالما أنها تضع الإسلام دائماً على نقيضٍ مع الحريات وحقوق الإنسان كما يدّعي أنصار الحركات والأحزاب العنصرية والمتطرفة ضد الإسلام.
هل يعني ذلك أنه لا يجب الرد على هذه الأفعال العدوانية والاستفزازية والهادفة إلى تحقير الدين الإسلامي وازدراء المسلمين والاستهزاء بآيات الله حتى لا يحقق المعتدون أهدافهم الدنيئة من وراء إشعال الضغينة والفتن في المجتمعات التي ينتمون إليها؟
في الواقع لا يمكن للمراقب إلا أن يلاحظ في هذه الأحداث أن ثمة أحمق أو أخرق لا يقوى على الحوار مع الآخر، يتحول إلى مجرم خبيث ومُخطِّط عابر للحدود، ويقوم بهذا العمل المشين تحت أنظار قلّة من الحاضرين ثم ينتشر الفيديو الموثق لهذا الحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم.
عودة إلى كتاب الله عزّ وجلّ؛ يقول تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]. وفي تفسير البغوي لمضمون هذه الآية: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا (أي في القرآن بالاستهزاء) فأعرض عنهم (أي اتركهم ولا تجالسهم). ومعنى ذلك أن الله تعالى قال للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بأن ينصرف عنهم ويترك مجالسهم حتى يأخذوا بحديث غير الاستهزاء بآيات الله. ولذلك هناك حكمة في تجاهل هؤلاء المعتدين وترك مجالسهم وعدم الخوض معهم في استهزائهم بآيات الله. وعكس ذلك أن يستمر الخوض في حديث يقصد فيه الاستهزاء بآيات الله، وهذا ما يحقق أهداف المعتدين على كتاب الله والمؤمنين به.
بالتأكيد نحن في عالم رقمي يصعب فيه إحاطة الحدث بدائرة ضيقة، وكل شيءٍ مهما كانت طبيعته وحدوده يمكن أن يتحول إلى حدث أكبر على مستوى العالم.
ولذلك ربما كانت ردود الأفعال الصادرة عن الدول العربية والإسلامية من إدانات ودعوات لإجراءات عقابية دبلوماسية واقتصادية مطلوبة وموجة لا يمكن إيقافها بالدعوة إلى مجرد تجاهل المسيئين والمعتدين على كتاب الله، ومع ذلك يبقى نجاح الأمر رهناً بالقدرة على دفع الدول والمنظمات الإقليمية والعالمية إلى تجريم أفعال الإساءة إلى الدين والمقدسات وإخراج ذلك من باب الحريات التي لا يمكن أن تكون ممراً للاعتداء على حريات الآخرين ومعتقداتهم.