بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 تموز 2021 12:00ص أوراق بيروتية (22): نزوح الحساميّين من جبيل إلى بيروت

حجم الخط
كنت أتساءل باستمرار عن سبب نزوح عائلات إسلامية ومسيحية من مدينة جبيل وقراها الى بيروت، فقد كانت جبيل تابعة لباشا طرابلس الذي عين عليها الأمير يوسف بن ملحم سنة 1763 وكان الأمير يوسف يدفع التزامها الى خزينة طرابلس. وحصل بعد ذلك ان فصلت جبيل عن باشا طرابلس وابقي الأمير يوسف حاكما من البترون الى جونية ومن ضمنها جبيل. وشاعت افعال التفنكجية عندما استعان بهم الأمير يوسف الشهابي لفرض الامن في جبيل. 

الى ان اعلمني الصديق غسان عبد الرحمن الحسامي ان من محفوظات الشيخ اسعد جرمانوس وثيقة مؤرخة سنة 1763 نظمت بها لوحة معلقة اخل كنيسة مار يوحنا مرقص في جبيل وفي مركزها الإداري تفسر سبب نزوح عائلات جبيلية بأن التفنكجية بقيادة رئيسهم عيد أغا (ورد في تاريخ حسن آغا العبد ان رئيسهم هو عبيد آغا الذي حبسه الجزار واخلي سبيله بعد وفاة هذا الأخير) عاثوا فسادا في جبيل وقراها حتى انهم طردوا الحساميين وانسباءهم منها بزعم تعاطفهم مع الأمير يوسف وان الامير حاصر القلعة بمساعدة الرهبنة...»، وان كنت ارجح ان أفعال التفنكجية كانت بتدبير من الأمير يوسف للتخلص منهم ومن الحساميين وقد شهد هؤلاء فيما بعد على نهاية الأمير يوسف على يد الجزار. فمن هم التفنكجية ومن هم الحساميون؟

من هم التفنكجية

التفنكجية هم جنود مرتزقة مسلحون بالبنادق. اشتقت التسمية من كلمة تفنك اي البارود ورئيسهم تفنكجي باشي برتبة آغا. وجدت فرقة منهم في بعض مدن الشام كدمشق (فيها 150) وطرابلس (100) وصيدا (200) وقد انحصرت مهمتهم بمساعدة الولاة بحفظ الامن والنظام داخل المدن وكانوا يكلفون بمهمات خارجها.كان راتب التقنكجي خمسين «خرجا من القهوة» وله حصة من الغرامات التي يفرضها الباشا على المتداعين. استعان بهم سليمان باشا لحفظ الامن في عكا والأمير يوسف وغيرهم.وعرفت بيروت بعضهم.

«في الوثيقة المؤرخة في السادس عشر من شهر رجب الفرد الحرام سنة 1265هـ/ 1849م حضر الى المجلس الشرعي في بيروت الحاج حسين موطي الشكودري (اسكودار) اصيلا عن نفسه وحضر عبد القادر عثمان البربير وكيلا عن عبد الله آغا تفنكجيباشي سابق شقيق الأصيل المذكور بشهادة محيي الدين انيس فروخ وسعد الدين البربير ببيع ما يخص الموكل من البناء في الجل المحتكر ارضه بموجب حجة شرعية مؤرخة في العاشر من شهر رجب الفرد الحرام سنة 1261هـ/ 1845م. فباع الىالخواجه ميخاييل بن عبد الله اوغلي مبايعجي إيالة صيدا البناء الذي جدده الاخوان في الجل المذكور الشهير بأحد جلول الست ضيا زوجة الأمير ملحم الشهابي (والد الأمير يوسف)الكائن بالقرب من البرج الجديد الشهير الآن بالقشلة والثمن اثنان وعشرون الف ومائتا قرش فضة اسدية قيمة كل قرش أربعون مصرية وقد علم المشتري ما هو مرتب على الجل المذكور من الحكر لجهة وقف جامع السراي في كل سنة مايتي قرش وتعهد بدفعه لجهة متولي الجامع كائنا من كان...».

الحساميون الجبيليون في بيروت

 كثيرا ما تتردد في بعض عائلات بيروت شهرة جبيلي من المسلمين والمسيحيين، وشهرة حسامي نسبة كما قال صالح بن يحيى الى سيف الدين بكتمرالحسامي الذي كان وزيرا في دمشق واقطع مناطق في كسروان سنة 705 هجرية. 

اما الحساميون الجبيليون الذين طردهم التفنكجية من حبيل - حتما بالموافقة سرا من الأمير يوسف - فقد قدموا الى بيروت وتوطنوا فيها ومارسوا التجارة ونالوا محبة اهاليها واحترامهم  وكانت ولا تزال لهم فيها آثار تذكر فتشكر. ومن العائلات المشار اليها كما اعلمتنا الكثير من الوثائق آل الجبيلي المسلمين وآل الجبيلي المسيحيين وعلى راس هؤلاء أبو عسكر يونس نقولا الجبيلي وآل سرسق وآل الشعار الحسامي وبكداش الحسامي وعبلا الحسامي ودرويش الحسامي وسعيدون ورضوان ودبوس. وسنذكر في هذا المقال سيرة بعض تلك العائلات ونترك الباقين لمقالات لاحقة.

أسرة الشعار الجبيلي

سبق ان تكلمنا عن سوق الشعارين وعن مبايعة جرت سنة 1843م لدكان في محلة شويربات يحدها قبلة دكان السيد «حسن الجبيلي بن السيد حسين الشعار الخواجه...» (الخواجه لقب فارسي اطلق على التاجر في بلاد الشام) وظهر في وثيقة مؤرخة في شهر رجب الحرام سنة 1265هـ/ 1848م ان احد الشهود كان «احمد ابن الحاج حسن الشعار الجبيلي الخواجه». 

اسرة شديد الجبيلي الحسامي

بموجب وثيقة مؤرخة في الثامن من شهر شعبان سنة 1266هـ/ 1850م باع خليل إبراهيم اللبان الى بنات عبد الهادي الجبيلي قطعة مفرزة من بستان عبد القادر الجبيلي بحي الرمال مع آلة قز يحدها قبلة ملك ورثة عبد القادر الجبيلي وشرقا قسيمتها ملك حسن شديد وولده حسين شديد الجبيلي الحسامي... 

أسرة بكداش الحسامي

في السابع من شهر ربيع الأول سنة 1305هـ/1887م حضر في مجلس الشرع الشريف المنعقد في محكمة بداية لواء بيروت الشيخ حسن وعبد الرحمن ووالدهما عمر ابن الحاج عبد القادر «بن عمر بكداش الحسامي» ووكلوا عبد العفو ابن احدهم عمر الموجود في مدينة نابلس لتحصيل ما لهم من دين في ذمة تاجر نابلسي... 

أسرة سعيدون الجبيلي

جرت في الثالث عشر من شهر شوال سنة 1260هـ/ 1844م مقاسمة دار المتوفى مصطفى ابن المرحوم الحاج صالح الجدايل أبو الجود فكان من بين الشهود السيد «حسين سعيدون الجبيلي». 

أسرة الدعة الجبيلي

جاء في وثيقة عائدة لسنة 1284هـ/ 1867م اسم «حسن الدعة الجبيلي». 

أسرة دبوس

أسرة دبوس من اسر بيروت القديمة، ومعنى دبوس لغة المقمعة وهي عصا من خشب أو حديد في رأسها عقدة كالكرة كان الجنود يتسلحون بها أطلقت في زمننا على إبرة تمسك به المرأة شعرها وتزينه، ذكر أبو شامة في تاريخ الدولتين النورية والأيوبية أنه كان من اسلحة صلاح الدين الشخصية دبوس من حديد. وكان الجندي يتقلده تحت الركبة منذ عهد نور الدين زنكي وذكر القلقشندي ان الدبوس كان مخصصاً في الغالب لتحطيم الخوذ. ذكر ماير في الملابس المملوكية ان الدبابيس صنعت من الحديد أو الصلب برؤوس كروية أو مضلعة وعلى سطوحها هيئة نتوءات مثلثة الشكل ولها مقابض مستديرة او مضلعة.

عرفت أسر حملت شهرة دبوس في البقاع وجبيل وبيروت وأقدم ما عرف من أبنائها أحمد بن عمر دبوس الذي حكم البقاع سنة 1790م وكان أصل والده أضاباشي (حارس) عند الأمير ملحم في بيروت وبعد وفاة الأمير رحل عمر بعياله الى الشام وكان يتردد على الأمير يوسف الى أن غضب عليه الأمير بشير وقتله. وأشار الأمير حيدر الشهابي الى أن أحمد بن عمر دبوس كان شاعراً فصيحاً وله قصائد وتخميسات حسان وأورد الأمير حيدر احدى رسائله الى الأمير حسن قاسم الشهابي تظهر مقدرته اللغوية والشعرية.

ويمكن القول بان أصول أسرة دبوس البيروتية تعود في تاريخها القريب الى مدينة جبيل انتقلت الى بيروت مع عائلات كثيرة معروفة كالجبيلي الحسامي وعبلى والشعار ودرويش وسعيدون وتفيدنا وثيقة شرعية مؤرخة في 11 ربيع الآخر 1259هـ/ 1843م وذكر ان عائدة بنت علي دبوس وأولادها محمد وسعيد وزليخه وخان زادة وآمنة أبناء قبلان دبوس يملكون بستاناً ودكانة في جبيل. 

ومن أسرة دبوس في بيروت شيخ العطارين نبهان دبوس الذي ذاعت شهرته في الآفاق حتى أصبح العطار يعني دبوس، وقام نبهان برفع لافتة على محله الجديد في سوق أبي النصر باسم دبوس الأصلي لأن البعض من التجار سمى محله دبوس، حتى أن عمر الزعني أنشد يقول انزل على درج الأربعين واطلع شمال ويمين على كل آرمة وفيترين بتلاقي دبوس وما بقا تعرف الأصلي دبوس الا من ورقة النفوس. 

واشتهر من المعاصرين محمد سعيد دبوس وعبد الله دبوس الناشط في المجتمع المدني ولا سيما في جمعية الكشاف المسلم (نشرت مؤخرا مذكراته في الحرب الأولى بتحقيق الأستاذ محمد السعيدي). 

أسرة رضوان

اشتهر من اسرة رضوان حسن الغويل الذي نسبت اليه محلة البسطة الفوقا(كما ذكرنا في كتابنا منزول بيروت). ويلفت النظر ورود أسماء رضوان ونبهان وقبلان في وثائق بلدة جبيل.

----------------

*مؤرخ