بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 نيسان 2023 12:00ص الشيخ وسيم مزوق لـ(اللواء الإسلامي): أحسنوا اغتنام ما تبقى من رمضان لتكونوا من الفائزين

حجم الخط
ها قد شارف شهر رمضان المبارك علی الرحيل والوداع، ودخلنا في أيام العشر الأواخر من الشهر الفضيل، أنها أيام مباركة وفيها ليلة عظيمة ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن الكريم، فيا لعظمة هذه الأيام الأخيرة من شهر رمضان لما تحتويه من خصائص ومميزات يحدثنا عنها رئيس دائرة الفتاوى في دار الفتوى الشيخ وسيم مزوق فكان الحوار الآتي:

{ هل لك أن تحدثنا عن فضائل العشر الأواخر من رمضان؟
- عن الصحيحين عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم  كان إذا دخل العشر الأواخر من شهر رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله وشدّ مأزره، وفي رواية أخرى «وجدّ وشدّ مأزره»، قال العلماء معنى «شدّ مأزره» كناية عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد فيها زيادة على المعتاد.
وقيل هو كناية عن اعتزال النساء وترك الجماع تفرّغاً أيضاً للعبادة وجاء في الحديث أيضاً انه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر من شهر رمضان ما لا يجتهد في غيرها، وقال ربنا سبحانه وتعالى في محكم تنزيله في سورة الفجر {الفجر وليال عشر} هذه الواو هي واو القسم كما ذكر علماء التفسير فأقسم ربنا سبحانه وتعالى بهذه الليالي وذلك بسبب فضلها ومكانتها عند الله، فقد قال بعض علماء التفسير المراد بهذه الليالي الليالي العشر الأواخر في رمضان، فالمؤمن عندما يقرأ سيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم  يرى ان قمة عبادته كانت في هذه العشر، والمراد بالحديث أحيا الليل أي استغرقه بالسهر في الصلاة وقراءة القرآن وتدبّر معانيه وطلب المغفرة والرضوان، وقد جاء في حديث السيدة عائشة انها قالت «لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم  قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة من الصباح ولا صام شهراً كاملا قط غير رمضان»، فلذلك يحمل قولها «أحيا الليل» على انه كان يقوم أغلب الليل وكان عليه الصلاة والسلام يعتكف في هذه الأيام العشر في المسجد وهذه سنّة نبوية عظيمة فيها تهذيب النفس والخلوة فيعتزل المسلم عن الدنيا وملذاتها وشهواتها، فالاعتكاف فرصة عظيمة في هذه الأيام المباركة للعودة الى الله ومحاسبة النفس محاسبة شديدة، فإذا كان قاطعاً للرحم يبادر الى صلتها، وإذا كان ظالماً أحداً يبادر الى طلب السماح والعفو منه، وإذا كان آكلاً لحقوق الآخرين يبادر الى رد هذه الحقوق، وإذا كان قد اغتاب أحداً أو نمّ يبادر الى تطهير هذا اللسان من الغيبة والنميمة حيث يكثر من ذكر الله تعالى، ويبادر أيضاً الى طلب مسامحة ممن اغتابه وتكلم عليه ان غلب على ظنّه قبول الآخر هذا الاعتراف منه وإلّا فيتوب بينه وبين الله ويكثر من الاستغفار لأخيه الذي اغتابه ويتصدّق من باب «اتبع السيئة الحسنة تمحوها».
وأضاف: فالخلاصة ان هذه العشر الأواخر هي موسم من أهم المواسم للتقرّب من الله عزّ وجلّ، ففي كل ليلة من رمضان فيها العتق من النيران فكيف بهذه الليالي العشر الأواخر من رمضان وفيها ليلة القدر؟!
{ ليلة القدر ليلة عظيمة، تأتي في العشر الأواخر من رمضان، ماذا تحدثنا عنها؟
- يقول الله تعالى {إنا انزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر} ويقول تعالى {إنا انزلناه في ليلة مباركة، إنّا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم}.
أنزل الله تعالى القرآن الكريم في تلك الليلة ليلة القدر فقد وصفها ربنا بانها مباركة نزل فيها القرآن جملة واحدة أي دفعة واحدة من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا في بيت  العزّة ومعنى القدر انها ليلة ذات قدر فيها من الخصائص والفضائل، ولان من أدرك ليلة القدر أصبح ذات قدر عند الله، وهي تكون على أرجح الأقوال في الليالي الوترية في العشر الأواخر من رمضان أي ليلة 21 - 23 - 25 - 27 - 29، وقال الخليل بن أحمد: إنما سميت ليلة القدر لان الأرض تضيق بالملائكة لكثرتهم فيها تلك الليلة فطوبى لمن أدرك ليلة القدر فكان من أهلها فهي ليلة عظيمة وكذلك لعظم قدرها وجلالة مكانها عند الله ولكثرة مغفرة الذنوب وستر العيوب فيها، فهي ليلة المغفرة، قال صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه».
وتابع قائلاً: فأيانا أن نخصص ليلة السبع والعشرين بالقيام  فحسب لأنه لا يوجد دليل مجمع عليه على تخصيصها، بل الراجج ما ذكرنا انها في الليالي الوترية وقد تنتقل من ليلة الی ليلة بين الأعوام، والحكمة بذلك أن يجتهد المؤمن بالعبادة في كل الليالي وأن لا يتكاسل عن القيام في سائر الليالي، ولا ننسى دعاء الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي علّمه لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها «اللهم انك عفو تحب العفو فاعفو عنا»، وعندما سألته عن الدعاء في ليلة القدر فعلّمها أن تدعو به، ولكن لا يكفي أن نقوم هذه الليلة وأن نتصدّق وان نذكر الله وان نستغفره وأن نلتجأ إليه بالدعاء وقلوبنا فيها البغضاء والأحقاد والحسد والغيرة والرياء وسائر أمراض القلوب بل علينا أن نطهّر هذه القلوب من جميع ما ذكرنا وأن نصل الأرحام وأن نحسن الى كافة الناس، فهذه الليلة وصفها ربنا بأنها سلام ولا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل فيها أذى، وقيل أيضاً أكثروا فيها السلام من العقاب والعذاب لما يقدم العبد من طاعة الله.
{ وأخيراً، كيف نودّع شهر رمضان الذي شارف على الوداع؟
- رمضان شهر عجول لا يحتمل التقصير، هذه العبادة كنا نذكرها دائماً من أول رمضان و ها هو يغادرنا ويذهب ولكن ما بقى فهو ذِهبْ لا نقصر فيه من الطاعات ونقول قد انتهى رمضان بل علينا أن لا نقصّر بالطاعة لا في رمضان ولا بعد رمضان.
وتابع قائلاً: نودّع رمضان بحرقة ومحاسبة للنفس على التقصير بالطاعات، ونحن نودّع رمضان نطلب من الله الثبات بعد رمضان «اللهم يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك»، «ربنا لا تزغ قلوبنا بعد أن هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب»، فمن علامات القبول أن يتغيّر حال الإنسان الی الأحسن فينظر المسلم الى أخلاقه وعباداته ومعاملاته كيف كانت قبل رمضان وكيف أصبحت بعد رمضان، فدائماً نقول كونوا ربانيين ولا تكونوا رمضانيين، ففي وداع رمضان نقول للذين كانوا يأتون الى صلاة التراويح والى صلاة القيام والتهجد قبل الفجر اثبتوا على القيام وعلى إحياء سنن الصيام كصيام الستة من شوال وصيام الاثنين والخميس والأيام البيض 13 - 14 - 15 من كل شهر هجري، فرمضان يظهر لنا إذا كنا طلاباً مجتهدين قد انتفعنا منه فهو مدرسة، وفي وداع رمضان أيضاً نقول لأهل الخير ولأصحاب الأيادي البيضاء الذين كانوا يتصدّقون بالأموال والافطارات والمواد الغذائية وبالأدوية ويبادرون الى دفع ايجارات البيوت للمتعسّرين ويقومون بسداد الديون وغير ذلك من أعمال الخير نقول لهم استمروا بارك الله بكم، واستمروا بعد رمضان فالفقراء ليسوا فقراء في رمضان بل أيضاًً عل مدار العام واعلموا ان الله قال «ما أنفقتم من شيء فهو يخلفه» وقال صلى الله عليه وسلم: «ما نقص مال عبد من صدقة»، ولا تنسوا زكاة أموالكم وزكاة المال ليست خاصة في رمضان بل تكون على مدار العام الهجري حسب حال كل مسلم.