بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 نيسان 2024 12:00ص العيد طاعة... لفرحنا بطاعة

حجم الخط
المفتي الشيخ د. وفيق حجازي*

العيد في الإسلام شعيرة من شعائر الدين قيمة من قيمه ومعلم من معالمه، فهو معلم من معالم نبل الأخلاق والقِيَم، وعنوان لانطلاقة ثابتة وبنظرة ثاقبة أن المؤمن يتقلّب من طاعة لطاعة، عملا بقول الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلّا ليعبدون}، وهو يوم سرور وفرح وزينة، يحب الله أن تظهر فيه أثر نعمه على عباده، يلبس المؤمن الجديد من الثياب، ويتناول الطيب من الطعام بدون إسراف ولا مخيّلة، ويتم تعميق التلاحم بين أفراد الأمة الواحدة، وتوثيق الرابطة الإيمانية، وترسيخ الأخوة الدينية بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً».
ولذلك كان العيد عنوانا للفرح بطاعة الله تعالى ورحمته، وفرصة لتصافي النفوس، وتآلف القلوب، وتوطيد الصلات والعلاقات، ودفن الضغائن والأحقاد، بحيث توصل الأرحام بعد القطيعة، ويجتمع الأحباب بعد طول غياب، وتتصافح الأفئدة والقلوب قبل الأيدي، فتتم المشاركة بين أفراد الأمة وجماعتها في المشاعر الإنسانية بعد الوحدة في الشعائر الإيمانية، ويتم من خلاله التذكير بحق الضعفاء والعاجزين، ومواساة أهل الفاقة والمحتاجين، وإغنائهم عن ذلّ السؤال في هذا اليوم، حتى تشمل الفرحةُ كلَّ بيتٍ، وتعمَّ كل أسرة، ويكون فيه إثبات الأمة لوجودها الروحاني في أجمل معانيه وتكون قوة تغيير الأيام عندما يكون الشعور الواحد في نفوس الجميع، والكلمة الواحدة في ألسنة الجميع؟
العيد فرح لا ارتكاب للمعصية
لذلك لا يختص العيد ببلد دون آخر، ولا بأناس في مكان ما دون غيرهم، بل يشترك فيه المسلمون جميعهم في شتى البقاع والأماكن أنّى كانوا وحيثما وجدوا، طالما انتسبوا لهذا الدين، وكانوا في عداد المؤمنين، ومن هنا يفهم معني العيد وأنه لماذا سمّي عيدا، ذلك لكثرة عوائد الله على عباده، وإن عيد المؤمن الأكبر يكون يوم العرض على الله عندما يُنزل الله على المؤمنين رضوانَه فلا يسخط عليهم بعده أبدا ويكرمهم بالنظر إلى وجهه الكريم، ومن هنا فقد سنّ لنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في العيد التكبير باعتباره إعلاناً لعلوّ كلمة الله على كل كلمة، ولشريعة الله على كل رأي، ولظهور دين الله على كل دين، فكان من واجب المسلم أن يفرح بالعيد وأن يعيش فيه معاني السعادة رغم كل النكبات؛ لأن الفرح يخفّف الآلام ويزيل بعض الأحزان، ويرفع بعض الهموم، لا سيما لمن وفّقه الله تعالى لطاعته وعبادته.
ومما يلزم التنبّه له أن الانبساط واللهو المباح، لا يعني أبداً الانفلات من القيود، ولا التحلل من الآداب، ولا إطلاق العنان للشهوات، كي تسترسل النفوس في الآثام واللذات، وتنساق مع دواعي الهوى والشيطان، دون رادع من دين أو حياء بدعوى التبسّط والترويح، وإنما هو طاعة في طاعة وإعلان لختم طاعة وإنطلاقة لطاعة جديدة فكل يوم لا يعصى الله فيه هو العيد وليس العيد لمن لبس الجديد إنما العيد لمن خشي يوم الوعيد، ثم إن يوم العيد هو يوم الجائزة من الله تعالى، فقد روي أنه إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا: «اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمنّ بالخير، ثم يثيب عليه الجزيل لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم»، فإذا صلّوا نادى منادٍ: «ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم».
ولأن المسلم رباني وليس موسميا أو رمضانيا فكان العيد عنوانا للانتقال من طاعة لطاعة فعيد الفطر بعد صيام شهر رمضان، وعيد الأضحى بعد أداء مناسك الحج، وهكذا المؤمن دائما يعيش حالا ومرتحلا في طاعة الله تعالى لذلك استحب في العيد الإكثار من التكبير والتهليل، كما التهنئة لما فيها من تأليف القلوب، وجلب للمودّة والألفة، فإظهار السرور والفرح في الأعياد من شعائر الدين، ولا بأس من فعل كل ما يُدخل البهجة في النفوس، مع مراعاة الحدود الشرعية، والمسلم حُذّر من ارتكاب ما يحرم عموما وخاصة يوم العيد من تبذير وإسراف، وتبديد للأموال والأوقات، وجرأة على محارم الله، ونحو ذلك من الأمور التي تنافي التعبّد للّه الواحد الأحد في الأعياد وغيرها، وتعود بالضرر والخسران على أصحابها في الدنيا والآخرة.
أهلنا في غزة
وإذا كان العيد هذا العام يأتي وأحداث فلسطين جرّاء الإجرام الصهيوني على أهلنا في غزة هاشم مستمرة وهي تواجه الغطرسة الصهيونية وينالها جرّاء صمودها جراح وآلام فإننا على يقين بأن المؤمن رغم كل الجراح هو في فرح بالله ورحمته، وهو على يقين بوعد الله تعالى القائل {وكان حقا علينا نصر المؤمنين}، ولذلك يلزم المؤمن ألا يغفل عما يجري في فلسطين بل ينبغي أن يكون العيد بكل مضامينه رسالة للأمة كلها أن عليها مسؤولية تجاه فلسطين وعيدها يكتمل عندما تتحرّر هذه الأرض المباركة والمسجد الأقصى من رجس اليهود.

* مفتي راشيا