بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 آذار 2024 12:20ص رمضان شهر الرحمة الحاجة إلى ناظم أخلاقي

حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين. 
على عادتها من شهر رمضان تطلّ علينا السماء بروح رحمتها ووافي كرامتها لتخصّ الخليقة بأعظم وصالها وهو التبتل على طريقة الوصل الوجودي العميق، وذلك من باب الانقطاع إلى الله ومأدبة كرمه وعظيم أبديته المقرونة بإقبال النفس المطمئنة على ربها وتدوين معارج الحقيقة بصومها وهو القائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، تثبيتاً منه لحقيقة الربوبية بعالم الخلق والتكوين، وهذا يعني بدنيا الإنسان التعميم الروحي والأخلاقي والتجريد النوعي، فضلاً عن توثيق فكرة الشراكة والأدب والسلوكيات التي تعكس محبة الله القوية بخلقه وناسه، ويلزم منها تأكيد سلطة الحق والعدل والخير والنبل والإحسان وأدب الوجود وميزان الحدود، وهذا يفترض تأسيس سلطة أخلاقية نوعية تليق بمبدأ تكريم البشر ببعد النظر عن دين الناس ولونها وعرقها وجنسها لكن ليس مفصولاً عن «مكارم الأخلاق التي تشكل الجامع النوعي بين الخلائق»، وهو ما تؤكده البذور الأولية للعقول وهو عين قول رسول الله(ص): (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق) كرابط عالمي يعيد تكوين السلطة والأسواق والبناء الاجتماعي بدنيا الإنسان وفق مقولة الحق النوعي والعدل الضامن بدنيا الخليقة، وهو آكد بهذا البلد الذي ما زال يعاني من السواطير الطائفية والخصومات السياسية ومشاريع القتل والإبادة التي تعيد تكوين النزعة العالمية والتي تبدو اليوم بأخطر مظاهرها بقطاع غزة الذي انكشفت فيه القوى العالمية ووكلائها عن نوع مخيف من فظاعة القتل والمذابح والإبادة بحق الأطفال والنساء والعزّل وفق طغيان دموي لا سابق له حتى بالحرب العالمية، وهو ما يضعنا أمام قداسة المقاومة كقيمة أخلاقية شرفيّة بعالم النزاهة والتضحية في سبيل أمن وأمان البلاد والعباد، على أنّ مقولة الرب بخلقه تفترض قداسة حق الإنسان ودوره ووظيفته الوجودية ببعد النظر عن لونه وقوته وطبيعة غناه وقواه، كما تفترض بناء سلطة الحق كقيمة نوعية تتناسب مع جوهر الإنسان وما يلزم لممارسة أدواره الحقوقية وفق مقولة التنوع البشري الجامع، ومنطق الله بهذا المجال حاسم لجهة تعزيز الإنسان وتأكيد هويته الكونية وأخلاقياته الأبعد من مادية، وإصرار الربّ هنا يطال جوهر الإنسان وغاية وجوده، لأنّ الله يريد الإنسان عظيماً بدوره وأخلاقياته، وهي الصورة النمطية التي عبّر عنها النبي الأعظم(ص) بقوله: «أدّبني ربي فأحسن تأديبي»، ومراده هنا يلحظ عمق الإنسان والسلطة الوظيفية بنطاق عالمية الخلق والناس ووحدتها التكوينية، وهذا ما نريده لهذا البلد وناسه من باب شراكتنا وما يلزم لوجودنا من أدبيات وأخلاقيات وقيم تتجاوز الفوارق، وهو ما اختصره الإمام علي بمفاد أنّ الإنسان نظير الإنسان لجهة القيمة الحقوقية الناظمة لتنوعنا، وهو ما نسمّيه بالعائلة الإنسانية وهو ما سمّاه النبي الأعظم برعية الله، لافتاً أنّ أحبهم لله أنفعهم لعياله، إلا أن هذه العائلة تحتاج إلى ناظم أخلاقي وسياسي يتعامل مع التنوع الثقافي والاجتماعي بما يجمعهم وفقاً لمبدأ «الناس سواسية كأسنان المشط»، و«الناس لآدم وآدم من تراب»، وفقاً لمطلب الله من قوله (الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) ما يفترض التأسيس للمواطنة الحقوقية، ومرحلياً يفترض تأكيد الشراكة التضامنية بالعائلة السياسية الميثاقية بكل المراكز القيادية ومنها رئاسة الجمهورية المفروض أن تتشكل وفقاً لضامن أبوي سياسي يتجاوز الطائفة والمذهب، على أنّ وصل الله بشهر رمضان لا بد له من قيم وآداب، وأشرف الآداب أن نعيش الله عنواناً للرحمة والاستقامة والعطف واللطف والمحبة والشراكة الكاملة بعالم الخلق والتكوين.