بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 آذار 2024 12:00ص رمضان هل يُغيّر فينا.. أم أننا صامدون على تراجعنا؟!

حجم الخط
رغم الوعي الديني السائد في المجتمع اللبناني وخاصة عند جيل الشباب..
ورغم المعرفة الإسلامية التي باتت واضحة جدا عند عدد كبير من الشرائح المكوّنة للمجتمع اللبناني... فإننا للأسف ما زلنا نمارس عباداتنا كأفراد لا كجماعات، نمارسها كعبادة خاصة بنا وبأشخاصنا، دون أن نعطيها البُعد المجتمعي الوحدوي الذي لا بد أن يكون دائما في أذهاننا..
ولذا رأينا أناسا كثرا صائمين.. ولكن لم نرَ شوارع صائمة؟!
شاهدنا أسرا وجماعات تصوم.. ولكن لم نشعر بصيام مدينة أو منطقة؟!
بل عايشنا صيام الأفراد داخل الأسرة الواحدة... دون أن نلمس صيام «الأسرة»؟!
والمؤسف أن هذا الأمر قد انعكس على سائر العبادات التي نمارسها مجرّدة من أبعادها الأخلاقية والمجتمعية والوحدوية، بمعنى أننا كلنا نصلّي وكلنا نحجّ وكلنا نقرأ القرآن وكلنا نتصدّق و... ولكن كل هذا يكون بروح الـ«أنا» لا بروح الـ«نحن».
ومن هنا لم يعد مستغربا أن نجد صائما يتقاتل مع صائم؟! دفاعا عن أخلاقيات الصيام؟! في نهار الصيام...؟!
ولم يعد مستهجنا أن نجد مصليّاً يتخاصم مع مصلٍّ آخر؟! دفاعا عن الصلاة..؟! بعد أن اختلفوا حول عدد صلاة التراويح..؟!
وهكذا أيها السادة الكرام... 
ما زالت قافلة التراجع القيمي والمجتمعي تسير بأقصى سرعة في بلادنا دون أن نسمع صوتا مخلصا أو نداء صادقا... بل حتى ما يكون من دروس في أروقة المساجد خلال هذا الشهر الكريم، لم تعد أكثر من كلام نمطي تقليدي يردد كل عام كما هو دون أن أي تغيّر يُذكر...
بل حتى الدروس في المساجد باتت بكل أسف عند الكثيرين أشبه بدروس الدين في المدارس الرسمية..؟!
طبعا لست بوارد إنكار صيام المسلمين ولا صلاتهم ولا أي عمل يقومون به ولا أتهمهم بأي شيء، فلست ممن يتقوّلون ويتجرأون على إيمان الناس بل إني أرفض هذا الأمر تماما، وخاصة أن الداخل لا يعلمه إلّا الله وأننا مأمورون بحسن الظن، ولكن كل ما أقوله هو أنه بات لزاما علينا أن نعمل بكل جهد حتى نرتقي بمفهوم وأبعاد العبادة التي يقوم بها المسلمون في لبنان.
فالصلاة والصيام والحج والزكاة وغيرها لم تكن أبدا عبادة فردية ولن تكون...
ولا يمكن أبدا أن يقيم مسلم معنى الصلاة في نفسه إذا كان مخالفا أو كارها لمجتمعه المسلم..
ولا يمكن لمسلم مهما كان صدقه وإيمانه وتقواه أن يحج وحيدا بعيدا عن جماعة المسلمين واجتماعهم وتوحّدهم المكاني والزماني..؟!
ولا يمكن أن يصوم وحيدا في موسم خاص به بعيدا عن وحدة الزمان مع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها..؟!
إذن.. هل كل هذا عبث...؟!
هل كل هذا صدفة..؟!
لا أيها الصائمون.. صحيح أن رمضان شهر الصوم.. ولكنه أيضا شهر تثبيت «مفهوم الأمة» في نفس الفرد، وشهر «تأكيد الجماعة» والعمل بمقتضيات وآثار هذه الوحدة..
ومن يرفض هذه الوحدة أيا كان شعاره وإن كان شعار التوحيد.. فهو أول مخالف..؟!
تخلّوا عن أنانيتكم
إن ما نراه في شهر رمضان المبارك كل عام إنما يدلّ في جانب من جوانبه على رفض شامل للتنازل عن «الأنانية» و«الشخصانية» التي تملّكت بعدد كبير من الناس، أفرادا كانوا أم جمعيات، ولن نتقدم خطوة إلى الأمام إذا لم نبادر فورا إلى إعادة ترتيب الأولويات في حياتنا وحياة مجتمعنا الذي ما عاد يحتمل مزيدا من التراجع والجهل والتنافر والانعزالية.
حتى على الصعيد العلمي والفقهي... نحن بحاجة إلى شهر رمضان المبارك كموسم لعقد المؤتمرات والجلسات والندوات العملية التي تناقش مستجدات العصر في كل النواحي بصراحة تامة وانفتاح مطلق لنعرضها على ميزان الكتاب والسنّة ثم نخرج منها برأي فعّال نقدّمه للناس للبدء الفوري في تطبيقه.
إن شهر رمضان المبارك لم يفرضه الله تعالى لتجويع الخلق..
ولم يكتب علينا صيامه كنوع من العذاب..
ولم يرد بنا من خلاله التعسير على الناس..
وإنما جاء وسيلة إيمانية من وسائل الوصول إلى التقوى التي أرداها الله تعالى، فقد قال عزّ وجلّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فمن كان صيامه تراجعا في التقوى، أو كان صيامه غيابا للتقوى، فإنه نعم أسقط الفريضة، ولكن الأجر والثواب... الله أعلم..
الشيخ بهاء الدين سلام
‏bahaasalam@yahoo.com