بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 آذار 2023 01:00ص شهر الله ووجع الإنسان

حجم الخط
بسياق أكبر رحمات الله المقرونة بأكبر ملكوت شهوره، وبعدما دعا الخليقة لضيافته قال الله عز وجل: (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ليؤكّد لخلقه أنّ اللحظة سماوية وأنّ الوقت أبدي وأنّ الفرادة مع الله تعالى.
لذا بمفهوم الله تعالى شهر رمضان وقت سماوي نادر تتلاقى فيه الأرض بالسماء، وهو بمنطق الله وقت مخصوص يريد الله لخلقه أن يحملوا تعبهم وهمومهم وعذاباتهم وشظف الدنيا ليضعوا كل ذلك بين يديه على طريقة التجرد مع الله، والأهم من ذلك يريد الله أن يذكّر الخليقة أن الله هو ربهم وليس جماعة المذابح الأخلاقية ووثنيات السوق وطواغيت السلطة ومشاريع الغزو المالي والنقدي وكيانات قتل الشعوب بخلفيات سياسية وسوقية قذرة.
وكلغةٍ وجودية عميقة يريد الله أن يقول للخلائق، أنا المحبة والغوث والعون والرضا والرأفة والتحنان والضامن الأعلى، أنا الخالق بسعة رحمتي، والطريق إليّ رحمة وحنان وعطف ومودة واستقامة ونزاهة وتضامن إنساني وأخلاقي يسع خلقي ويزيد من روابط ثقتهم بهذا الوجود المربوب. والخطاب هنا ليس للأفراد كأفراد فحسب بل للجماعة الإنسانية ومدارسها وعقل سلطاتها ودوافع برامجها كأساس لملاقاة الله العظيم، خاصةً بالأشهر العظيمة التي تكشف الأرض عن بطنان السموات، وضمن هذا الإطار يطلّ علينا شهر رمضان وبلدنا على حافة أسوأ الأزمات الوجودية على الإطلاق، وإذا كان من رجاء فهو من الله تعالى أن يمنّ على هذا البلد المنهك بالإنقاذ والعون واللطف والرحمة والتماسك، لأنّ مشارط الفتنة الدولية المحلية بادية للعيان، ونار الخصومة تعدّت كل المقبولات الأخلاقية، لذا باسم الله الذي يجمع المسلمين والمسيحيين وكل الخليقة أقول: أغيثوا هذا البلد واجتمعوا على إنقاذه، والحل بتسوية رئاسية جامعة تعيد وصل ما انقطع، وتعمل على تأمين إطار ضامن لجميع مكونات هذا البلد، لأنّ روحية السماء تريد الإنسان أولاً، الإنسان بشراكته الاجتماعية والأخلاقية، لذا تضع موازينها وفقاً لقوله تعالى:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) كأساس لموقف الله الحازم بخصوص قضايا الإنسان وحقوقه، وهو ما نريده كقيمة مركزية ضرورية توازياً مع حماية مشروع الدولة وفعالية قطاعاتها ومؤسساتها، لأنّ البديل عن الدولة الفوضى والفلتان والجريمة والكانتونات والمذابح، فيا ربّ شهر رمضان أغِث، فقد ذلّت البلاد وأُرهقت العباد.

*  المفتي الجعفري الممتاز