21 آذار 2024 12:00ص في يوم الأم العلماء يؤكّدون: مجتمعاتنا بأمسِّ الحاجة إلى أمهات صالحات مصلحات.. حتى يخرجن جيلاً ربّانياً

حجم الخط
للوالدين على الأبناء حقوق كثيرة، لا تُعدّ ولا تحصى، مكافئة لما قاما به من مساعٍ حميدة، من أجل راحة الأبناء، وتنشئتهم تنشئة إسلامية، راجين بذلك ما عند الله والدار الآخرة، ثم راجين من الله تعالى حسْن الرعاية من أبنائهما، إثر تربيتهما لهم.
ولقد حثّ الإسلام، هذا الدين الحنيف الصالح لكل زمان ومكان، على برِّ الوالدين، في كتاب الله عزّ وجلّ، وسنّة نبيه، لما لهما من فضل وحقوق على الأبناء، فقال جلّ من قائل سبحانه: {ووصينا الإنسانَ بوالديه حُسْناً}، وقال تعالى: {ووصينا الإنسانَ بوالديه حملته أمُّه وَهْناً على وَهْنٍ وفِصالُه في عامين أنْ اشكُرْ لي ولوالديكَ}، فهي -أي الأم- في تعب وجهد من قبْل الولادة، ثم أثنائها ثم بعدها، وكذلك الأب يسهر لتعب الابن، ويحزن لمرضه، ويقلق ويخاف عليه أثناء غيابه، فاستحقا بذلك البرَّ بهما، فهما -أي الأبوان- ربّيا أطفالهما صغارا، واعتنيا بهما كبارا، فاستحقا بذلك الشكر والبرّ، جزاء ما قدّما وقاما به من حسن التربية والتنشئة، واستحقا البرّ جزاء موفورا، فبرُّ الوالدين واجب وفريضة على الأبناء، وفي برّهما أجر كبير وثواب عظيم، فبرّهما من أفضل الأعمال، وحقّهما هو الحق الثالث بعد حق الله تعالى وحق نبيه.
وبرّ الوالدين مقدّم على برّ غيرهما من الناس، سواء الأولاد أو الزوجة أو الأصدقاء أو الأقرباء، أو غير أولئك من الناس، برّ الوالدين مقدّم على أولئك جميعا.
شحادة
بداية قال القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة: القرآن الكريم أمرنا أن نبرّ الوالدين وخاصة الأمهات لأنهن يجهدن ويتعبن بسبب مشاق الحمل والوضع والرضاع والتربية في جوانب يتفردن بها عن الآباء، لذلك يقول الله جلّ شأنه: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير} «لقمان: 14»، قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: وهنا على وهن أي حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفاً على ضعف... ثم قال: الثانية: لما خصّ تعالى الأم بدرجة ذكر الحمل وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلاث مراتب، وللأب واحدة... «أن أشكر لي»: والمعنى: قلنا له أن اشكر لي ولوالديك. قيل: الشكر للّه على نعمة الإيمان، وللوالدين على نعمة التربية. وقال سفيان بن عيينة رضي الله عنه: (من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما)، وفي السنّة جاءت الأحاديث عن نبينا وحبيبنا محمّد صلى الله عليه وسلم، تبيّن فضل برّ الأم وتأمر بملازمتها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! من أحق النّاس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال «أمك»، قال ثم من؟ قال: «أبوك». متفق عليه.
وعن معاوية بن اهمة السلمي رضي الله عنه أنه استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد معه، فأمره أن يرجع ويبرّ أمه، ولما كرّر عليه، قال صلى الله عليه وسلم: «ويحك... إلزم رجلها... فثم الجنة» رواه الإمام أحمد وابن ماجه، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نمت، فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا حارثة بن النعمان، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذاك البرّ، كذاك البرّ، وكان أبرّ النّاس بأمه» رواه الإمام أحمد والنسائي. وقد سُئل سيدنا الحسن البصري رضي الله عنه: ما البرّ؟ قال: الحب والبذل. قيل: وما العقوق؟ قال: أن تهجرهما وتحرمهما. ثم قال الحسن: النظر إلى وجه الأم عبادة، فكيف برّها؟!
وتابع قائلاً: فقد أعطى الإسلام هذه المكانة الرفيعة للأم لما لها من دور في بناء الأجيال، ولأنها تضحّي بنفسها من أجل ولدها، من أجل فلذة كبدها، من أجل قرّة عينها... وهنا نتوجه للأمهات أن يخلصن النيّة في تربية أبنائهن ويحتسبن الأجر عند الله تعالى، ونطلب منهن أن يعقدن النيّة ويعزمن تخريج أجيال ربانية، أجيال منهجها منهج سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم، أجيال أخلاقها القرآن الكريم، أجيال تنشأ على قصص الأنبياء والصحابة والسلف الصالح، أجيال تحفظ القرآن الكريم وتتلوه، أجيال تقوم الليل وتصوم النهار، هذا ما يريده المجتمع اليوم من الأمهات، لأننا للأسف نرى اليوم بعض الأمهات لديهن الإدمان على الهاتف الجوال من «واتسآب» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، فتقصّر برعاية أبنائها حتى يتمنى ابنها لو كان هاتفاً لتحمله، والبعض منهن يوكلن مهمة الرعاية والحنان والتربية إلى العاملة في المنزل، وقد تكون غير مسلمة، وتؤثر في عقيدة وأخلاق الأبناء، وبالتالي يتعلق الولد بالعاملة ولا يتعلق بأمه حيث لم تهتم به الأخيرة فيكبر الولد ولا توجد الرابطة الأسرية والاجتماعية بينهما فتنقطع صلة الرحم ويحصل العقوق، لأنها عقّت ابنها قبل أن يعقّها عندما قصّرت في تربيته ورعايته، فكما يجب على الولد أن يبرّ والديه ويطيعهما بالمعروف ويحسن إليهما وينفق عليهما ويعاملهما المعاملة الحسنة فلا يرفع صوته عليهما ولا يتضجر منهما، كذلك يجب على الأم والأب أن يبرّا أبنائهما بحسن تأديبهم وتفقيههم في الدين وبيان الحلال والحرام، لكي لا يقعوا فيما لا يرضي الله ورسوله، فمن أسباب الفساد المنتشر اليوم بين بعض الشباب والفتيات من الزنا وشرب الخمر وتعاطي المخدرات وغير ذلك تقصير الآباء والأمهات في التربية الإيمانية والتوجيه الديني، فقد روي عن سيدنا علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلّا ظله مع أنبيائه وأصفيائه) أورده السيوطي في الجامع الصغير، فأجرك أيتها الأم عظيم عند الله سبحانه، ويزداد ثوابك عند الله تعالى بقدر اهتمامك بتنشئة ذريتك تنشئة صالحة حيث تكون هذه الذرية صالحة مصلحة في مجتمعها.
واختتم بالقول: ان مجتمعاتنا اليوم بأمسّ الحاجة إلى أمهات صالحات مصلحات حتى يخرجن جيلاً ربانياً يخشى الله تعالى، فالأمهات هن القدوة لأولادهن، فالولد يقلد أمه بأقوالها وأفعالها وأخلاقها وتصرفاتها، لذلك على الأمهات أن يراقبن أنفسهن في كل شيء ليتصفن بالأخلاق الحميدة ويكنّ كأمهات المؤمنين، وبالختام نقول للأم بقدر صلاحك وتقواك وورعك وتركك للملهيات من الادمان على التلفاز والإنترنت وغير ذلك، يكون صلاح الأجيال والمجتمع لأنك تصنعين رجال الغد وشابات المستقبل، فنحن بحاجة إلى جيل كجيل الصحابة وجيل صلاح الدين رضى الله عنهم حتى يعود النصر للأمة، وللّه الحمد يوجد اليوم أمهات صالحات مؤمنات حافظات للقرآن مربيات مجتهدات في الدعوة إلى الله تعالى ولكنهنّ قلّة أمام ما نراه من الفساد والإفساد، فلنحسن الاهتمام بالمرأة تعليماً وثقافة ووعياً، لتكون أماً مثالية ليس لأبنائها فقط بل أماً لكل المجتمع والوطن لما تمثله من أخلاق الإسلام وتعاليمه، نسأل الله تعالى أن يجعلنا بارّين بأمهاتنا وآبائنا وأن يحفظنا وإياهم، اللهم احشرنا مع سيدنا محمّد إمام الأنبياء والمرسلين وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.
أبو شعر 
أما الشيخ يحيى أبو شعر فقال: الحمد للّه الذي ربع على عرش الطاعة أموراً جمّة، وجعل أجلّها وأعزّها وأرقاها وأحلاها وأجملها وأغلاها، طاعةً الوالدين وخاصة الأم، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير، هادي البشرية، ومرشد الإنسانية، رافع راية العدل، وتحقيق حق الأنثوية، سيدنا محمد خير البرية صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ثم أما بعد:
فالأم هي النواة لبني آدم، وهي مصدر الإلهام في المجتمع، فإن صلحت هذه النواة صلح الناس اجمعون، وإن فسدت فسد الناس كلهم.
إنّ للأم أدواراً بالغةً الأهمية في حياة أبنائها، فهي الأم، والحنان والعاطفة والجامعة والمربية والمعلمة والمرشدة والموجهة والساهرة والممرضة...
هي الملاذ بلا منازع، هي الدواء بلا مشاحن، هي باب الجنة بلا معاند.
هي الأم ان لازمتها كانت لك الطريق الى الله.
وأضاف: وقد قدَّس الإسلام دور الأم في الأسرة ودعا لبرّها واحترامها وطاعتها والرضوخ والتذلّل لها حبّاً ورحمةً واشتياقاً وخضوعاً وتذللا، وقد قال تعالى في كتابه العزيز: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}، «الاسراء 23-24»، ولذلك نهيَ الأبناء عن التلفظ بأدنى ما يزعج الأم، ولو كان ذلك جزء كلمة أو حتى نظرة تَكبّر واحتقار واستهتار.
وقال: فللأم والأب مكانة عظيمة عند الله سبحانه ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم بررة بوالدينا أحياء وأمواتا.
منى توتنجي