بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 كانون الثاني 2021 12:01ص متى يدرك الشعب اللبناني أن نمط الحياة قد تغيّر؟!

في زمن كورونا ترشيد الإنفاق واجب... ونشر التفاؤل ضروري

حجم الخط
معلوم أن المجتمعات في زمن الأزمات تلجأ إلى ما يسميه العلماء المتخصصون «فكر إدارة الأزمة» والذي من شأنه تكييف حياة الأفراد مع المتغيّرات القصرية التي تصيب المجتمع، والذي أيضا يساعد بشكل كبير على تخطّي الأزمة أيا كان نوعها.

ولكن يبدو أن الشعب اللبناني بأغلبيته لا يؤمن بهذا الأمر ولذلك ما زلنا حتى اليوم نرى هذا «النهم الاستهلاكي» يسيطر على العباد والبلاد، مشرّعا الأبواب أمام من هبّ ودبّ لتحقيق الأرباح غير الشرعية من خلال التلاعب بالأسعار واستغلال حاجة الناس.

فمجتمعنا اللبناني اليوم يعاني عدد كبير من أفراده من فقدانهم لأي عمل يمكّنهم من كسب قوتهم، كما أنهم استنفذوا أموالهم أو حرموا من التصرف فيها، وبالتالي مال ميزان القوة الاقتصادية للأفراد وللبلاد وأصبح التهديد شديدا لمستقبل الدولة والشعب اقتصادياً.

طبعا هذه الانتكاسة تسببت بالقلق والاضطراب عند الناس، خاصة بعد وقوع خسائر مادية ونفسية في معظم الأسر والعائلات، ولكن هل يكفي القلق لعلاج الأزمات..؟! وبالتالي فإن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحاصلة في بلادنا - إضافة أزمة كورونا العالمية - تتطلب إجراءات عاجلة وحاسمة لمواجهتها.

ولذلك نقول أن على الشعب اللبناني أن يعلم تمام العلم أن أنماط الحياة التي تعوّد عليها سابقا لم تعد مجدية ولا بد أن تتغيّر لتواكب المرحلة الخطرة التي نمرّ بها وإلا لن نزداد كمجتمع وكأفراد إلا فقرا وعوزا وفسادا وحاجة.

الصبر الإيجابي

أول خطوة نريدها بعد ترشيد النفقات هي الصبر، وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.

والصبر في الإسلام مفهوم راقٍ له أبعاد ودلالات عملية وحضارية رائعة لا يمكن أبدا أن تُـشوّه بهذه التصرفات الرعناء التي تصدر من هنا ومن هناك بإسمه، لأن الصبر يعني الرضا بكل ما كتبه الله تعالى علينا، والتعامل معه بقلب مؤمن متيقن بأن ما أصابه هو الخير وإن لم يعلم حكمته، وهو عمل صالح دؤوب وسعي مستمر وأبدا ليس يأساً مقْنطاً ولا عجزاً معيباً.

والصبر أيضا هو الثبات على الحق والشعور بالعزّة الإيمانية والثقة بالله تعالى وإن اسودت الظروف من حولنا أو علت رايات الباطل لفترة من الزمن.

وقول الله تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} ليس المقصود به أبدا أنه يريد من عباده الذين أصيبوا بمصيبة ما أو ابتلوا ببلاء معيّن أن يقعدوا كل أعمارهم متقاعسين أو متخاذلين وهم يقولون «ربنا إننا صبرنا»..؟! دون أن يعملوا أو يجتهدوا أو يسعوا لتحسين مستوى العيش أو لتغيير الواقع الفاسد الذي يحيط بهم أو لمعالجة ما خلّفه هذا البلاء من آثار..!؟

فالصبر في ديننا ليس كما يعتقد البعض... بل هو يعني حسن الأخذ بالأسباب والعمل بكل جهد لتغيير الباطل ورفض الظلم وإنكار الفساد ثم بعد ذلك ترك النتائج على المولى تعالى، وكل عمل يخالف هذا المفهوم هو جناية بحق النفس والمجتمع.

وبالتالي وفي ظل الأزمة التي نعانيها علينا أن نلتزم بفقه إدارة الأزمات على الصعيد الشخصي أولا، فنحدّد الأولويات، ونتفق على الأساسيات، ونخبر الأبناء بالخطط الجديدة، ونعمل على تقليص النفقات التزاما بمقاصد الشريعة الغرّاء التي تحتّم علينا التقيّد بالضرورات، كما من واجبنا أيضا أن نتفاعل مع الأزمات برؤية إيمانية واسعة تمكننا من الاستفادة منها فنسعى لإكتشاف حقيقة الأزمة ومعرفة أسبابها وأبعادها والتدبّر في طريقة حلّها، كما علينا دراسة البُعد المستقبلي لها، حتى نحوّلها إلى نوع من الاستثمار الإنتاجي ونستفيد منها.

التفاؤل الإيماني

النقطة الثانية المطلوبة هي فضيلة التفاؤل وأهميته في زمن الأزمات، فماذا يعني أن يكون الإنسان المسلم متفائلا؟..

سؤال أعتقد أننا بحاجة شديدة للإجابة عنه في أيامنا هذه التي ساد فيها التشاؤم حتى بات شعار العصر دون منازع، فمن يمشي في الشارع أو يخالط الناس في بلادنا لا يشعر إلا بجرعات مكثّفة من التشاؤم والإحباط تبثّ هنا أو هناك، فالكل عابس.. والكل محبط.. والكل يتوقع شرا.. والكل ينتظر السوء.. ولا أحد يبشّرك بخير أو تفاؤل إلا من رحم الله..؟!

طبعا الأسباب وراء ذلك كثيرة ومتنوّعة، ولكن أولها غياب خلق الحمد عن نفوس الناس التي أصبح كثير منهم وللأسف الشديد لا يعرف للحمد معنى، فـ «الحمد للّه» جملة بسيطة في كلماتها والعظيمة في معانيها وانعكاساتها ودلالاتها وهي سر النجاح في هذه الدنيا..

الحمد للّه.. جملة لا تصدر إلا عن قلب مسلم مؤمن فهم الإسلام جيدا وعرف كيف يطبّقها، فصار حامدا للّه بسلوكه وأفكاره وتصرفاته وداخلياته قبل أن يكون حامدا بلسانه فقط..

فالحمد ليس كلاما يقال.. بل هو أولا وقبل أي شيء إيمان مستقر في القلب وشعور متأصّل في سائر الجوارح ومادة نورانية اختلط في شرايين الإنسان مع دمه حتى أصبحت من مكوّناته الأساسية والتي دونها يشعر بالموت.. وإن تنفّس أو أكل وشرب..؟!

أما الذي يعيش في دوامة من السخط والتشاؤم، فهو مهما نال أو أخذ لا يرضى، وإنما يغرق في نظرية الإنكسار المفتعل والحاجة المخترعة التي تسهل عليه تقبّل موجات التشاؤم، حتى يخرج هو وأهله إلى المجتمع معقّدين ومتأزّمين ومتخاصمين مع المحيط كله فيكونون وقودا لنار اجتماعية تجدّد النار التي أشعلها الأب قبلهم وهكذا، فالتفاؤل في ديننا حمد... والحمد أساس الإيمان.. والإيمان حياة طيبة في الدنيا ونعيم بإذن الله في الآخرة.

إن الحالة التي وصلنا إليها من اهمال من المسؤولين وتقصير من الشعب وتراكم في الأزمات لا يمكن أن تمرّ إلا بالتوكل الصحيح على الله تعالى والعمل الصالح والواعي الذي يعيننا على الخروج من المعاناة وليس الوقوع في مزيد من المشاكل.



bahaasalam@yahoo.com