بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 كانون الثاني 2021 12:00ص مع ارتفاع واضح في موجات الفساد في البلاد؟! دعوات لتنمية الوازع الديني وتطبيق القانون على الجميع دون إستثناء

حجم الخط
تعرّف منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه (كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته)، وتعريفات الفساد كثيرة تتنوّع تبعا لتنوّع البيئة المتواجد فيها ولكنها تدور كلها في فلك التعريفات المذكورة.

ولكن لماذا شاع الفساد في بلادنا في كل مجالات الحياة..؟!

ولماذا أصبح مقبولا عند الكثيرين ومعترفا ضمنيا به بل وشاركت فئات الشعب فيه وأصبحت مستفيدة منه..؟!

طبعا.. تختلف أسباب الفساد من بيئة لأخرى حسب الثقافة السائدة، ولكن هناك أسباب أساسية متواجدة في كل المجتمعات وهي السبب الرئيسي في الفساد وتبعا لذلك ووفقا لمدى توافر هذه الأسباب الرئيسية تتحدد مدى فاعلية الأسباب الأخرى.

ولعل أبرز هذه الأسباب ضعف الإيمان والوازع الديني، فالنفس الخالية من الإيمان والتي لا تخشى الله ولا رسوله لا تبالي بارتكاب المحرّمات والمنكرات ولا تخشى من العقاب ولا تشعر بأي لوم أو تأنيب داخلي في حال اقترافها الفساد، بل العكس هو الصحيح إذ يزيّن لها الشيطان سوء عملها ويسمّي لها الأسماء بغير مسمياتها حتى يصير الفساد عادة مقبولة والصلاح إثما مرفوضا..؟!

دراسات علمية

تقول الدراسات الميدانية والتي أجريت في عدد من المراكز البحثية والجامعات أن انتشار الأخلاق الفاسدة مثل الكذب والنفاق والرياء وسوء الظن وخيانة الأمانة والرشوة والمحسوبية والاحتيال والتلاعب على القانون من الأسباب الأولى لانتشار الفساد في المجتمع، وإذا قرآنا قول الله تعالى {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} ثم قرأنا قوله تعالى {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} سندرك أنه إنما سمّي الهوى لأنه يهوى بصاحبه، وبأن الهوى وراء كل هذه الآفات ولذلك لم يذكر الله تعالى الهوى في كتابه إلا ذمّه.

ومن دلالات انتشار الهوى:

- ضعف السلوكيات الحميدة وروح الجماعة وانتشار الأنانية والحقد والكراهية.

- فقدان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالطريقة الحسنى والراقية.

- شعور الناس أن القانون لا يطبّق إلا على البسطاء منهم، بينما غيرهم لا يقترب أحد منهم وهم فوق القانون؟!

- شعور عامة الناس أنهم غرباء أو مواطنون من الدرجة الثانية لأنهم لا يتمتعون بأبسط حقوقهم الآدمية في المأكل والمسكن والعلاج.

معاني الفساد في القرآن

لقد ذكر الله تعالى الفساد ومشتقات اللفظ في القرآن الكريم في حوالى خمسين آية كريمة, فتارة يتحدث سبحانه وتعالى عن الشرك والكفر والنفاق وهو فساد العقيدة فيقول تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}، وذكر الفساد في القرآن بمعنى سفك الدماء وانتهاك الأعراض فقال تعالى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}، وذكر بمعنى قطيعة الأرحام وقطيعة كل ما أمر به الله تعالى أن يوصل {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}.

والإسلام عندما يتعرّض لمشكلة من المشاكل فإنه يعالجها بطريقة حكيمة ومنطقية فهو ينظر إلى أسباب المشكلة الجوهرية ويسعى لعلاجها، فإذا ما عولجت الأسباب فمن السهل حينئذ علاج الأعراض والنتائج، وهكذا هو نهج الإسلام دائما.

وفي محاربة الفساد ينتهج الإسلام نفس المنهج القويم، فهو قد نظر إلى هذا الفساد بكل صوره وأشكاله وأعراضه وبيّن الأسباب الخفية والظاهرة، وعمل على علاجها علاجا جذريا حقيقيا وليس علاجا صوريا كما هي المناهج العصرية التي ينتهجها الناس اليوم, ثم عالج الفساد بعد حدوثه وحاربه بسبل وطرق لا يستهان بها إطلاقا بل لقد أثبت التاريخ أن النهج الإسلامي هو أنجع السبل في محاربة الفساد وهذا تأكيد على إن الإسلام منهج حياة كامل متكامل صالح لكل زمان ومكان ويصلح كل ما أفسده الناس في كل زمان ومكان.

الوازع الديني والعدالة

بدوره الشيخ د. مازن القوزي رأى أن أول السبل لمحاربة الفساد في المجتمع هي تنمية الوازع الديني لأن جريمة الفساد إنما هي مخالفة صريحة للأوامر الإلهية ولما جاء بكتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيه المطهرة  صلى الله عليه وسلم, وهي مخالفة للضمير له أو تغييب له, فهو دليل على ضعف الوازع الديني لدى الفاسد والمفسد, ولهذا فإن الإسلام يعمل على تنمية وتقوية الوازع الديني لدى كل أفراد المجتمع حتى يكون الوازع الديني هو الذي يمنع المرء من ممارسة الفساد وارتكاب جرائمه, فقد روى عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم أنه قال (الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا إن حمى الله في أرضه محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).

وقال: لقد جاء الأمر بالإصلاح ودفع الفساد بل والأخذ على يد المفسد حتى يتوقف عن فساده, فقال تعالى في كتابه الكريم {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} وقال عزّ وجلّ في نفس السورة {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وقال عزّ وجلّ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}، وبالتالي فإن المطلوب منا جميعا أن نحكّم كتاب الله تعالى في كل سلوكياتنا وأعمالنا وأن نجعله الميزان الفعلي الذي نزن به كل أمور حياتنا.

وأضاف: وهناك أيضا مسألة العدالة الاجتماعية وهي إعطاء كل فرد حقه وتوفير الاحتياجات الأساسية، لأن انعدام هذه العدالة الاجتماعية في أي مجتمع من المجتمعات تعتبر سببا هاما من أسباب الفساد مهما كانت القوانين صارمة والعقوبات شديدة والحكومات حازمة لذا من الضروري لأي مجتمع يريد القضاء على الفساد أن يعالج هذه المشكلة، والإسلام أرسى قواعد لهذه العدالة الاجتماعية ودعا إليها وفرضها منذ اليوم الأول وكانت أحد أركان ودعائم الدولة الإسلامية الناشئة بالمدينة المنورة.