بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 نيسان 2019 12:05ص مع دخول شهر شعبان... الدعاة: أيام عمل واجتهاد في سبيل حسن الإستعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك

حجم الخط
عندما يهلُّ علينا شهر شعبان ندرك وبلا أدنى شك أننا على أعتاب وأبواب شهر كريم هو شهر رمضان، وقد كان الصالحون يدركون فضل هذا الشهر الكريم، ويجعلونه مقصدهم ومحور اهتمامهم، فستة أشهر يسألون الله (عز وجل) أن يبلّغهم إياه، وستة أشهر يسألونه سبحانه وتعالى أن يتقبّله منهم.
وكانوا يتخذون من شعبان توطئة وتهيئة لاستقبال هذا الشهر الكريم، ولنا ولهم في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة، حيث تقول السيدة عاشة (رضي الله عنها): «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ) يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَاماً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ», ولما سئل (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك, قال: «هُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ». وإذا كان أهل الدنيا يستعدّون كل الاستعداد لأمور دنياهم، وحق لهم، وهو أمر محمود لمن يعمل ويخطّط لإنجاح ما هو مقبل عليه من عمل، وإذا كان من يريد أن يعقد ندوة أو مؤتمراً أعدّ له وهيّأ لأسابيع أو لشهور عدّة، فإن شهراً كريماً بما فيه ليلة هي خير من ألف شهر لجدير أن نعدّ أنفسنا وأن نهيّأها لاستقباله مبكراً..
فكيف نستقبل شهر شعبان...؟! وكيف نتجهز فيه لاستقبال شهر رمضان المبارك..؟!
أسئلة حملناها وكان هذا اللقاء..
حداد
{ الشيخ د. أسامة حداد المفتش العام للأوقاف الإسلامية قال: يعتبر شهر شعبان الشهر التمهيدي لشهر رمضان شهر العبادة والصيام والصدقات والقيام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في شعبان وخاصة في منتصفه الذي يحمل خيرين عظيمين، الأوّل قيام ليلة النصف من شعبان، والثاني صيام النصف من شعبان في ذكرى تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرّفة.
وأضاف: وقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم هذه الليلة ويطيل السجود فلما رأته السيدة عائشة كذلك حرَّكت إبهامه فتحرّك «ظنته انه مات» فلما رفع رأسه وفرغ من صلاته قال «يا عائشة هذه ليلة النصف من شعبان ان الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخّر أهل الحقد كما هم»، لذلك يعتبر شهر شعبان محطة لتطهير القلوب من الأحقاد وتصفية النفوس من الخلافات قبل حلول شهر رمضان.
ويعتبر شهر شعبان أيضاً محطة لتطهير الذنوب لاستقبال شهر الفيوضات الربّانية في شهر رمضان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا رمضان».
قوزي
{ الشيخ د. مازن قوزي رئيس دائرة المساجد بالأوقاف الإسلامية قال بدوره: فضَّل الله عزَّ وجلَّ بعضَ الأزمنة على بعضها، وخصَّ بعض الأوقات بأجور دون غيرها، فكان شهر رمضان خيرَ الشهور، وليلة القَدْر أكرم الليالي، وساعات الليل الأخيرة أفضلَ الساعات؛ قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، وعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَن قام ليلة القدْر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذَنبه، ومَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه) وعنه أيضاً قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَنزِل ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يَبقَى ثُلُث الليل الآخر، فيقول: مَن يدعوني فأستجيبَ له؟ ومَن يسألني فأعطيَه؟ ومَن يستغفرني فأغفرَ له؟» (متفق عليه).
من أجل ذلك حثَّنا الله عزَّ وجلَّ ورسوله صلى الله عليه وسلم على عمارةِ هذه الأوقات بالطاعات، والإكثار مِن العبادات، لما لها مِن فضل وتكريم، ومنها: يوم الجمعة، ويوم عرفة، والثلاثة مِن كل شهر، والعشر مِن ذي الحجَّة، والست من شوال، وغيرها.
وقد خصَّ الله عزَّ وجلَّ شهر شعبان بفضيلة رفْع أعمال العباد فيه، ولأجل هذه الفضيلة فقدْ كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصُّ هذا الشهر بالصيام أكثرَ مِن غيره ما خلا رمضان، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسولَ الله، لم أرَك تصوم شهراً مِن الشهور ما تصومُ مِن شعبان؟! قال: «ذلك شهرٌ يغفُل الناس عنه بين رجَب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أن يُرفَع عمِلي وأنا صائِم».
وأضاف: وفي الصحيحين عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم استكملَ صِيامَ شهر قطُّ إلاَّ رَمَضان، وَما رَأَيْتُهُ في شَهْرٍ أكْثَرَ مِنه صِيَاماً في شَعْبَان»، وكذا، فمِن الطاعات والعبادات المستحبة في شعبان الإكثارُ مِن صلاة النَّفل، والصدقة وتلاوة القرآن، فهذا عمرو بن قيس الملائي رحمه الله تعالى كان إذا دخَل شعبان أغْلَق حانوته وتفرَّغ لقِراءة القرآن في شعبان ورمضان، وكان الحسنُ بن سهيل رحمه الله تعالى يُكثر فيهما مِن قراءة القرآن، ويقول: «ربِّ جعلتني بين شهرين عظيمين».
وكما أنَّ الإكثار مِن العبادات مستحبٌّ في الأزمنة والأمكِنة الفاضلة، فإنَّ ترْك المحرمات واجبٌ مؤكَّد فيها، فكما أنَّ الحسنات تضاعف في هذه الأوقات والأماكن، فإنَّ السيئات تضاعَف فيها، لذا على العبد أن يبادرَ إلى نبْذ المحرَّمات في هذا الشهر الكريم، فإنَّ الأعمال ترفع فيه، ولعلَّها تكون آخِر أعمال العبد المرفوعة فيُختَم له بالسوء عافانا الله.
قال الحافظ ابنُ رجب رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: « شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عنه» فيه دليلٌ على استحباب عمارة أوقاتِ غفْلة الناس بالطاعة، وأنَّ ذلك محبوبٌ عندَ الله عزَّ وجلَّ.
واختتم بالقول: ومِن الفوائد المرجوَّة مِن الصيام في هذا الشهر: توطين النفس وتهيئتها لصيام رمضان، فإذا أقْبل رمضان كانتْ مستعدَّة لصيامه بقوَّة ونشاط، قادِرة عليه دون عناءٍ وتكلُّف، متأهِّبة لغيره مِن العبادات والطاعات، فتعظيم شعبان مِن تعظيم رمضان كالسُّنة القبليَّة للصلاة المفروضة، تعظيماً لحقها، وتأهباً لأدائها، ومن هنا كان عمار بن ياسر رضي الله عنه يتهيّأ لصوم شعبان، كما يتهيّأ لصوم رمضان.