بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيار 2018 12:05ص من تاريخ القضاء الشرعي في بيروت (16)

دور القاضي عبد الله جمال الدين في تسليم الأوقاف إلى جمعية المقاصد والقاضي أحمد شكري يشيد بالبيارتة

حجم الخط
من الشائع أن والي سورية مدحت باشا ومتصرف بيروت رائف بك ونائب بيروت القاضي عبد الله جمال الدين عملوا على تأسيس جمعية المقاصد وقدموا لها الدعم.  ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 1878م وصل مدحت باشا إلى بيروت واستقبل بحفاوة كبيرة، وأعدت له المآدب لدى متصرف جبل لبنان رستم باشا ، وفي بيوت آل بيهم وسرسق والتويني وعمر غزاوي، وأقام له المجلس البلدي احتفالاً في السراي . ثم زار المدارس الشهيرة في بيروت كالمدرسة الرشدية العسكرية والمدرسة البطركية ومدرسة الجمعية الخيرية الأرثوذكسية واليسوعية ومدرسة الحكمة والمدرسة الإسرائيلية.
ولدى حضور مدحت باشا إلى بيروت نصبت له جمعية المقاصـد قوس نصر من الأزهار على نفقة أعضائها. وفي زيارة أخرى له لبيروت في آذار 1879م، زاره وفد من أعضاء الجمعية وقدموا له طلباً بالمساعدة على الوصول إلى ما يمكنهم من خدمة الوطن وترقي المعارف في أبناء الطائفة الإسلامية، وأظهروا له حالة التعليم ومقاصد الجمعية ، فحثهم على السعي والإقدام ووعدهم بالمساعدة الفعالة اللازمة لإصلاح التعليم، وأن يُمكنوا من واردات الأوقاف بما يوافق الشرع. فعمد الثلاثي متصرف بيروت رائف باشا وحسن محرم أمين سر مجلس الادارة والنائب (القاضي) عبد الله جمال الدين (الذي واكب تأسيس الجمعية) الى تأليف لجنة برئاسة المفتـــي الشيخ عبد الباسط الفاخوري وتحت نظارة القاضي ، فوضعت لائحة بالأوقاف التي يمكن تسليمها للجمعية وصادق عليها القاضي المذكور وحمل عمر غزاوي اللائحة وذهب إلى دمشق وحصل على موافقة مدحت باشا عليها ، وسلمت الأوقاف المذكورة للجمعية (ذكرنا الاوقاف في كتابنا نور الفجر الصادق).
وكان عبد الله جمال الدين قد وصل الى بيروت نائباً عليها في الثالث من شهر  محرم الحرام سنة  1295هـ كانون الأول 1878 م (في السنة نفسها التي وصل فيها مدحت باشا) وابتدأ عمله في سراي الحكومة يمارس أعماله في المحكمة الشرعية ومجلس التمييز.والمقصود السراي الحكومية التي أنشأها الأمير منصور عساف ونسبت الى فخر الدين وهدمت  فيما بعد. إلا أنه استقال من منصبه بسبب تدني راتبه،  ورفع الأهالي عريضة لعدم قبول استقالته، فقرر شيخ الإسلام رفض الاستقالة وتقرر زيادة راتبه . مدحه الشيخ قاسم أبو الحسن الكستي بقصيدة مطلعها:
يستخدم المرء في ديناه همته
حتى يحوز من العلياء بغيته
وفيها:
أو انه كوكب يجري على فلك
منها لتنظر عين الحظ صورته
فقل لمن غاب عنه وهو يرصده
أرخ ترى بجمال الدين طلعته
مولى تسمى بعبد الله مكتسباً
من الإضافة ما يزكي فضيلته
قاضٍ يرى العدل في الأحكام مفترضاً
عليه والحلم وقت الغيظ سنته
نيابة الشرع في بيروت مظهرها
به أعار النجوم الزهر بهجته 
وقال فيه الكستي أيضاً:
إن الشريعة في بيروت قد  أخذت
حقوقها بجمال الدين حاكمها
فإنه قد وفاها كل حكمتها
وفاه بالحق في دعوى محاكمها  

أشار عبد الجواد القاياني عندما كان منفياً في بيروت مع الشيخ محمد عبده، إلى القاضي عبد الله جمال الدين فقال عنه «إنه من الرجال المعدودين والأفاضل المستعدين . عالم بطريق الرياسة خبير بأحوال السياسة. ثابت الجنان. قوي الأركان . غاية في الفطنة والإتقان. متضلع بمعرفة القانون. له معرفة بغالب الفنون . تولى تفتيش العدلية مدة من الزمن فمشى فيه على أقوى أساس وأقوم سنن. ثم تولى النيابة المذكورة وسار فيها سيرة مشكورة «. وفي سنة 1884م استقال عبد الله جمال الدين فقدم له وجهاء بيروت نسخة مذهبة من مجلة الأحكام العدلية طبع على غلافها بيتان من نظم الشيخ قاسم أبو الحسن الكستي هما: 
إن الورى يا جمال الدين حين رأوا
منك العدالة في إجراء احكامي
قد ألبسوني كساء الشكر من ذهبٍ
وقدموني لنادي قدرك السامي

يذكر انه كانت توجد  ساعة في مكتب عبد الله جمال الدين مقابلة لوجهه دلالة على دقته فنظم الشيخ قاسم الكستي فيها:
لهذه الساعة صوت طليقوهي به إذا سكتنا تنطق
كأنها بالوصف صبّ شيّقفؤاده في حبه مستغرق
وكيف لا يظهر منها القلقووجهها فيه الجمال المطلق 
القاضي أحمد شكري يشيد بالبيارتة
 يذكر ان القاضي أحمد شكري مدح البيارتة مشيداً بغيرتهم الدينية وحميتهم الوطنية فقد نظمت لجنة ثمرة الإحسان سنة 1899م احتفالاً في محلة المصيطبة بمناسبة فتح مدرسة للإناث خطب فيه عبد الباسط فتح الله. وفي الوقت نفسه أقامت لجنة التعليم احتفالاً بتأسيس مدرسة شرقي جامع رأس بيروت (قريطم). فتناول حاكم الشرع أحمد شكري معولاً وحفر أساس المدرسة وقال إثر الاحتفال «إنني لم أر أناساً كأهالي بيروت ذوي غيرة دينية وحمية وطنية حقيقية يندفعون لأقل إشارة تدعوهم الى المشروعات الخيرية وخصوصاً الشبيبة منهم الذين بهم تقوم هذه الأعمال النافعة  .  
توفي القاضي المذكور في تموز 1901م عن عمر يناهز الخمسين سنة « فبكت عليه العيون وانفطرت لموته القلوب إذ كان طاب ثراه آية في الفضل وغاية في الكمال الى أخلاق شريفة وصفات حميدة. أقام في نيابة بيروت نحو ثلاث سنين كان يعامل كلاً بما فطر عليه من اللطف واللين وكرم الأخلاق والتواضع. وكان ذا غيرة عظيمة وحمية جسيمة لا تأخذه في الله لومة لائم. وقد أظهر في آخر أيامه من الانعطاف على البيروتيين ما لا ينسى. وقد رثاه قاسم الكستي بأبيات ارتجالية مطلعها:
قضى نحبه من كان للشرع قاضياً
وفي جنة الفردوس أصبح ثاوياً
فكم أضحك المظلوم في مجلس القضا
بإنصافه   والآن   أبكى المعالي
وفيها:
أحمد شكري قد تسمى وذاته
بها صارت السبع المثاني  ثمانيا
وختامها:
من الله نرجو العفو عنه بجاه من
أتى  رحمة   للعالمين  وهاديا 
رفات احمد شكري ومحمد غالب في مقبرة الباشورة
يذكر ان  احمد شكري صلي عليه في الجامع العمري الكبير ودفن في جبانة الباشورة . كما دفن فيها القاضي محمد غالب الذي تولى قضاء بيروت سنة 1284 هـ وتوفي اثناء ممارسته وظيفته فكسر ختمه. وقد  أرخ الشيخ قاسم الكستي ضريحه بقوله:
قد حكم الدهر على حاكمٍللشرع في بيروت حكماً عجيب
ناداه داعي الموت يا غالباًقد صرت مغلوباً  فلبى  مجيب
غريب أوطان قضى نحبه بعلة  الصدر  وأعيا    الطبيب
أنعم بعفو يا إلهي له يا عالماً  أرخ  بحال  الغريب 

* محامٍ ومؤرخ