بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 كانون الثاني 2018 12:05ص من تاريخ القضاء الشرعي في بيروت (2)

قضاة الشرع من بيروت ودمشق وصيدا وطرابلس

ختم عبد الغني الغزي وعبد القادر محمد جمال ختم عبد الغني الغزي وعبد القادر محمد جمال
حجم الخط
ذكرنا في الحلقة الاولى ان القاضي كان يختار من قبل الحاكم الاقطاعي او من الولاة  وقد علمنا من بعض الوثائق اسماء من تولوا قديماً قضاء بيروت قبل جعلها مولوية دورية . ذكر المحبي منهم فضل الله العلواني الدمشقي (1031-1082هـ )(1621- 1671م) تولى قضاء بيروت سنة 1666م لمدة سنتين  ثم تولاها بعده فضل الله العمادي (1045-1096هـ)  وورد اسم القاضي احمد بن عبد الرؤوف في وثائق زاوية القصار كقاض لبيروت سنة 1091هـ وكمال الدين بين سنتي 1092 و1097هـ  والقاضي مصطفى سنة 1104هـ  وذكر من قضاة بيروت  عمر بن محمد (1140هـ) ومصطفى سعادة (1147هـ)و  ابراهيم (1156هـ) وهذا الاخير صدق وقفية الامير يونس على مقام الأوزاعي.  وكان الشيخ ابراهيم الصائغ قاضياً سنة 1202هـ فصدق وقفية محمد آغا الجبوري في الغلغول. 
تولى الشيخ عبد الهادي قرنفل قضاء بيروت  وكانت علامته عبد الهادي كما يتبين من وثيقة مؤرخة سنة 1219 هـ الخاصة بوقف أحمد حسن زنتوت الشهير منذ ذلك التاريخ بالعريس. ويرد التوقيع نفسه في  إحدى وثائق النسب الأرسلاني لسنة 1211 هـ وقد علمنا شهرته « قرنفل» من الوثيقة الواردة في سجل سنتي 97/98 (رقم 221)  والتي نصت على تولية حسن محرم بك رئيس جمعية المقاصد الخيرية على وقف بدرة مصطفى العيتاني وجاء فيها  أن حجة الوقف كانت بإمضاء « الشيخ عبد الهادي قرنفل نائب أسبق».
ولم نجد في ديوان الشيخ عبد اللطيف فتح الله المفتي ولا في ديوان الشيخ أحمد الأغر أية إشارة  للنائب عبد الهادي قرنفل. ورد في السجل الأول العائد لسنة 1259 هـ  والذي أحصى أوقاف المساجد والزوايا  ذكر «أشجار وقف الشيخ عبد الهادي قرنفل  في حي عيـن الباشورة» من ضمن أوقاف الجامع العمري الكبير . ووجود دكان للشيخ عبد الهادي  لصيق الجامع المذكور . كما وردت من ضمن أوقاف زاوية المجذوب عبارة  «ثلث وقف السيد عبد الهادي قرنفل وهي قطعتي أرض توت وزيتون صغار» وأن دخل ثلث جلّ الشيخ عبد الهادي قرنفل عند عين الباشورة هو من أوقاف زاوية الحمراء (داخل المدينة) والثلث الثالث للجامع العمري. 
 اما تولي المفتي عبد اللطيف فتح الله القضاء في بيروت ففيه نظر.  أشار معجم الأعلام في ترجمته لعبد اللطيف فتح الله  المفتي ناقلاً عن عيسى اسكندر المعلوف  أنه أديب من أهل بيروت، تولى فيها القضاء والإفتاء. في حين لم يشر عبد القادر قباني في مذكراته إلى تولي المذكور منصب القضاء . ولم ترد في ديوان عبد اللطيف فتح الله أية اشارة تدل صراحة على توليه منصب القضاء مع إيراده في أكثر من موضع ذكر توليه الإفتاء. والثابت أن عبد اللطيف فتح الله تولى مدة منصب أمين الفتوى في دمشق الشام.
وقد برر زهير فتح الله سبب عدم وجود إشارات في الديوان إلى أن فترة توليه القضاء تقع بعد سنة 1238 هـ ( 1828 م) وهو تاريخ آخر قصيدة وصلت إلينا وهذا التبرير لا يستقيم لأن ديوان أحمد الأغر، يثبت أن هذا الأخير كان قاضياً في بيروت منذ سنة 1224 هـ /810 م وانه أي الأغر -  أصبح في سنة 1241 – هـ 1826  مفتياً إلى جانب القضاء . وقد رجح زهير فتح الله بأن الشيخ عبد اللطيف فتح الله لم يتزوج ، ولكننا عثرنا في سجل سنة 1259/63 في الصفحة 88 على  اسم أمينة زين عز الدين على أنها زوجة «مولانا الشيخ عبد اللطيف فتح الله». وتبقى إشارة عيسى اسكندر المعلوف الذي قال عن عبد اللطيف فتح انه كان قاضياً ومفتياً في بيروت زمناً طويلاً ، وان لديه كثير من فتاويه وأحكامه بدون أي إثبات، فلم يعثر ولم ينشر أي حكم من أحكام الشيخ عبد اللطيف فتح الله. بينما عرف الكثير من فتاويه (كما ذكرنا في كتابينا حقوق الجوار في الشريعة والقانون ومنزول بيروت).
اما الشيخ أحمد البربير فقد ولد في دمياط لأن أباه كان تاجراً فيها.  عاد الى بيروت سنة 1769م وكانت  بعهدة الأمير يوسف الشهابي الذي طلب منه تولي الفتوى والقضاء ولكن البربير حاول التنصل ولم يقبل إلاّ بعد أن كتب على الأمير صكا يتضمن عدة شروط وأنه متى أخلّ بشرط منها فليس له عليه سبيل وقبل الأمر شروط البربير وهي: ان لا يتصدى الأمير للدعوى بعد أن يكون قد قضى فيها مجلس قضائه .أن يأمر بتنفيذها دون إبطاء . إذا كانت الخصومة بين أحد المواطنين والأمير وكان الحكم ضد الأمير فعلى هذا الأخير الامتثال لحكم الشرع. ان يبعث الأمير أحد أتباعه يجلس في المحكمة لتحصيل رسوم الدعوى.  ان لا يكرهه الأمير بارتداء العمامة والجبة . وبقي البربير يعلل النفس بأن يمثل الأمر بأحد تلك الشروط فيتخلص من القضاء فلم يحصل ذلك . ثم تكررت شكواه ملحاً على  الانسحاب من القضاء فأقاله الأمير ثم قصد دمشق ولاذ بحمى علمائها. وله شعر فقهي وقضائي منه:
قد عدلنا وما عدلنا لغي
وحكمنا بأمر رب السماء
فشكا الناس حكمنا ولعمري
                              قلّ من يرتضي بحكم القضاء 
ولد أحمد مصطفى الأغر  سنة 1198 هـ في بيروت. تولى قضاء المدينة في 24 ذي الحجة 1224 هـ ثم تنزل عنه سنة 1237 هـ ولما اختلف والي الشام درويش باشا مع والي عكا نفي احمد الأغر الى اللاذقية. ثم بعد تثبيت عبد الله باشا والياً على صيدا أعيد الأغر حاكماً شرعياً لبيروت . ثم وجهت عليه في 13 ربيع الأول سنة 1240 هـ وظيفة الافتاء في بيروت وان يكون بها حاكماً شرعياً ومفتياً’ .  وفي أوآخر سنة 1249هـ  عزل من وظيفة القضاء وبقي مفتياً في بيروت الى سنة 1258 هـ. ثم عين عضواً في مجلس إيالة صيدا في بيروت ومفتياً في المجلس. توفي في 11 رمضان 1274 هـ ودفن في جبانة السنطية .كانت للأغر شخصية قوية ودور هام في تاريخ بيروت في النصف الأول من القرن التاسع عشر. أشرف على وضع المتاريس وتنظيم المقاومة الشعبية لمقاومة الأورام  سنة 1826 م. وكانت له واقعة مع إبراهيم باشا سنة 1836م أثناء احتلال هذا الأخير لبيروت ودمشق  ذكرناها في مقال سابق. 
 وفي بيوت البيارتة الكثير من الوثائق الشرعية أيام تولي الأغر للقضاء. كما أن له ديوان شعر كبير في مكتبتنا نسخة منه نقوم بتحقيقها وإعدادها للنشر.
تولى يونس البزري الصيداوي  قضاء بيروت بعد الشيخ أحمد الأغر . وكانت له فتاوى تدل على مهارته.  درس عليه الشيخ بشارة الخوري الفقيه. ويتبين من ديوان الشيخ أحمد الأغر أن الشيخ محمد البزري مفتي صيدا سابقاً  توفي سنة 1254هـ فطلب  «الشيخ يونس البزري الصيداوي نائب بيروت حالاً تاريخاً لوفاة شقيقه الشيخ محمد المذكور فأرخه الأغر بأبيات. 
وتولى الشيخ عبد القادر محمد جمال الصيداوي ايضاً قضاء بيروت بعد الشيخ يونس البزري. يذكر الشيخ أحمد الأغر في ديوانه ولادة مولود في رجب سنة 1254 هـ «لجناب شمس الموالي، حسنة الأيام والليالي ، بدر العلماء الأعلام ، وكوكب الفضلاء الفخام السيد عبد القادر جمال الصيداوي رب الكمال ، الحاكم الشرعي يومئذ في بلدتنا بيروت المحروسة التي هي بوجوده مأنوسه، وقد سماه عمراً عمرهما الله تعالى وأنالهما خيراً وبلغهما وطراً إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير».  
توفي الشيخ عبد القادر جمال سنة 1282هـ . ورثاه الشيخ قاسم أبو الحسن الكستي بقصيدة مطلعها 
لكل ابتداء يا ابن آدم آخر
تزود من التقوى فأنت مسافر
تثبت احدى الوثائق الشرعية أن عبد الغني الغزي  الدمشقي كان متولياً قضاء بيروت سنة 1257 هـ. وكان  الشيخ أحمد الأغر حين طلبه إبراهيم باشا إلى دمشق سنة 1252هـ نزل في دار الشيخ محمد عمر عبد الغني الغزي مفتي الشافعية فيها. وأثناء وجوده في دمشق ولد للشيخ عبد الغني مولوداً سماه محموداً فأرخ الأغر ولادته قائلاً: 
بشراك عبد الغني السعد قد نودي 
                                    الى ديارك من ذا الفضل معبودي 
وكان محمد عمر الغزي  قد حضر الى بيروت سنة 1252هـ مرسلاً من شريف باشا حكمدار بر الشام المعين من قبل إبراهيم باشا، وذلك لأجل تحقيق منازعات بين متسلم بيروت حسين جكم وعبد الفتاح حماده ناظر مجلس الشورى فيكون عبد الغني شقيق محمد عمر المذكور قد عين قاضياً على بيروت بعد وفاة القاضي عبد القادر جمال.
سنذكر في الحلقة المقبلة سيرة المفتي والقاضي الشيخ محمد المفتي الطرابلسي الأشرفي. 

* محامٍ ومؤرخ