بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 آذار 2018 12:04ص من تاريخ القضاء الشرعي في بيروت (8)

نماذج الخطوط العربية في سجلات المحاكم الشرعية

حجم الخط
من نافل القول بأن حسن الخط كان مطلوباً للعاملين في المحكمة الشرعية سواء لكتابة محاضر المحاكمات أم  لنسخ الاحكام وتدوينها في السجلات.  وتظهر السجلات تباين الخط بين كاتب وآخر. ويمكن معرفة مختلف انواع الخط من خطوط القضاة والكتّاب كالشيوخ ابراهيم الاحدب وقاسم الكستي وعبد القادر النحاس وعبد الرحمن سلام ويونس البزري وغيرهم.
ومن المعروف أن درس الخط كان من الدروس الإلزامية الأولى في منظومة التعليم الاسلامية القديمة – لما يضفيه الخط الجميل من جمال للمعنى الجميل ، ولما للخط الجميل من أهمية في تربية الذوق السليم وتكوين الإحساس الفني عند الناشئة. وبالنظر لأهميته فقد لحظت وقفية السلطان الغوري تخصيص مبلغ  ثلاثمائة درهم لرجل مأمون عالم بعلم الكتابة مجازاً في الأقلام السبعة يتردد للمكتب يومين في كل اسبوع. 
  عرفت بيروت في القرن التاسع عشر من أشتهر بحسن الخط وجماله. من هؤلاء قاضي بيروت ومفتيها الأسبق الشيخ أحمد الأغر. قال فيه الشيخ عبد اللطيف فتح الله سنة 1231 هـ / 1815م مادحاً من قصيدة طويلة:
ولو شام حسن الخط منه إبن مقلة 
لكان يقول الدهر:  ليتني  غلامه
تدين له الأقلام طبق مراده 
ويقضي بها ما ليس يقضي حسامه فلو هزّ في الأوراق يوماً يراعه 
على صدرها في الحال يجري كلامه
سطور غدت من لازورد سلاسلاً 
كنقش عروس في يديها ارتسامه 
يشير الشيخ عبد القادر قباني في ذكرياته إلى أن الشيخ عبد الرحمن النحاس – نقيب الأشراف في بيروت – والشيخ حسن البنا تلقيا عن إمام طابور العسكرية حسن الخط ففتح كل منهما كتّاباً لتعليم القرآن وحسن الخط. وأنه قبل هذا الكتّاب كان الحاج محمد علي  المكوك في دكانه بسوق العطارين ( قرب باب الجامع العمري الكبير) يعلّم الكتابة  ثم جاء من مصر الشيخ محمد اليافي فأخذ يعّلم أمام باب الجامع الخط والحساب. 
يذكر بأن الحاج محمد علي المكوك خطّ بيده وثيقة مبايعة بين آل الحشاش على عقارات قرب زاويتي ابن عراق والأوزاعي أصدرها الشيخ أحمد الأغر سنة 1242 هـ/ 1826م (ستكون موضع دراسة فيما بعد). 
الفحص السنوي يتضمن مادة الخط
نشير إلى أن الفحص السنوي لتلامذة مكتب رشدية بيروت لسنة 1875م كان يتضمن من مواد الصف الثاني مادة خط ثلث.  ومن مواد الصف الأول مادة خط ثلث وخط رقعة . وكان المكتب بإشراف المعلم الأول عبد القادر قباني والمعلم الثاني الشيخ ابراهيم البربير.  
وكان برنامج دروس المدرسة الرشدية العسكرية سنة 1878م (أصبح مقرها مدرسة حوض الولاية الرسمية للصبيان حالياً) يتضمن في السنة الأولى للقسمين الأول والثاني وللسنة الثانية مادة حسن خط تركي. فيما تضمن برنامج المدرسة التي باشرت الطائفة الاسرائيلية فتحها في بيروت سنـة 1875م «إتقان الخط وعلم الحساب». 
وأعلنت إدارة المدارس السورية الإنكليزية تجديد افتتاح مدرستها الليلية أمام كنيسة البروتستانت لتعليم القراءة والكتابة العربية. وأنشأ سليم صالح سنة 1878م مدرسة في كرم الزيتون (محلة النويري) لتدريس العربية «وحسن الخط». وفتح علام علام  في السنة نفسها مدرسة في بيت فارس فرعون بحي الصيفي لتعليم الكتاب والعربية ليـلاً. وكما أعلن سمعان لويس عن استعداده لكتابة التواريخ واللوائح « بخط متقن للغاية». 
نشير إلى أن نظارة المعارف في الأستانة رتبت سنة 1889م جدول الدروس في المدارس الإسلامية للسنوات الأربع،  فكان من ضمنه ساعتان اسبوعياً للخط في كل من السنوات الثانية والثالثة والرابعة. كما حددت أسماء الكتب ومؤلفيها وكان من بين هذه الأخيرة، قاعدة لخط الرقعة للخطاط ضياء الدين أفندي. وجاء في التعليمات حول الدروس انه « لا يجب الإكتفاء بمعرفة الحروف في العين وإنما ينبغي تعلمها كتابة ويبدأ في السنة الثانية بتعليم الخط فيعّود  في أول الأمر على تسويد الخطوط البيضاء الواردة تحت الخطوط المطبوعة. ويمرّن على الكتابة . وفي السنة الثالثة سيكتب الأستاذ للتلامذة أشياء يلقيها عليهم من الكتاب أو من فكره. وفي السنة الثالثة يداومون على كتابة الرقعة كالسنين السابقة . 
خطاطو بيروت المشهورون
عرفت بيروت عدداً من الخطاطين المشهورين منهم  الشيخ محمد زيدان المتوفى سنة 1908م الذي تخرج على يديه معظم أبناء بيروت ومن لم يكن تلميذه فهو تلميذ تلميذه. والشيخين عمر الانسي ومحمد عمر البربير من تلامذة الشيخين خالد والحوت  والشيخ عبد الغني البنداق (ابن شقيقه نقيب الأشراف الشيخ عبد الرحمن النحاس) وكان « خطه في غاية الجودة والإتقان مشهور بين الأقران مرموق بعين الإحسان ملحوظ  سبحان من قسّم الحظوظ». من آثاره لوحة خطها سنة 1326 هـ/1908م كانت معلقة في زاوية ابن عراق ثم نقلت إلى مسجد الأوزاعي في السوق الطويلة وفقدت أثناء الحرب. وكانت تتضمن الآية الكريمة « تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام». 
وقد خط الشيخ محمد عمر البربير سنة 1320 هـ/ 1902م نص اللوحة الرخامية  المعلقة في جامع الإمام الأوزاعي القديم ( في محلة الأوزاعي . 
ومن المتأخرين بحسن الخط عبد القادر البربير القائل: 
خطي  جميل  ولكن
حظي يخالف خطي
يا نقطة الخاء  قومي
على   الطاء  نطي
وهو مسبوق إليه في قول بعضهم: 
لا تحسبوا أن حسن الخط يسعدني 
ولا سماحة كف الحاتم الطائي 
وإنما  أنا  محتاج    لواحدة
لنقل نقطة حرف الخاء للطاءِ 
يذكر أن الشيخ إبراهيم اليازجي كان أول من سبك حروف الخط النسخي للنصوص والخط الرقعي للعناوين واللافتات، يوم كانت الطباعة تتم يدوياً. وبقي تعلم الخط ركناً أساسياً من أركان التثقيف التربوي في العالمين العربي والإسلامي. وظل خط الرقعي هو المعتمد في المدارس، وظلت الخطوط الأصيلة وعددها ثلاثة عشر خطاً على رواجها السابق. وهذه الخطوط هي: الثلث والنسخي الفني والنسخي الدفتري، والرقعي والفارسي والديواني الجلي والديواني الشاهاني، والريحاني والكوفي المشرقي والكوفي الأندلسي والمغربي الكتبي والمغربي المسماري والقيرواني. نقل عن المستشرق بلاشير قوله «لقد عجزت عن إحصاء فنون الخط العربي، لكنني كلما رأيت نموذجاً منه أستطيع رده إلى سبع قواعد هي: الثلث والنسخي والرقعي والفارسي والديواني والكوفي والقيرواني».  
يذكر أن خط التعليق مستنبط من الخط النسخي المنتمي أصلاً إلى خط الثلث ويتصف باللين والاستدارة وهو خط مقروء. وأن خط الرقعي لا يختلف كثيراً في شكل حروفه عن خط التعليق إلا من حيث دقة الرسم وصغر الحجم وهو أميل إلى التدوير وسن قلمه أقصر ولا يقع ترويس في منتصباته. 
من المفيد الإشارة إلى أن جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت ثابرت منذ تأسيسها وافتتاح مدارسها على أدراج حصة خاصة في الأسبوع لتعليم الخط.  وقد أدركنا شخصياً في مدرسة عثمان ذي النورين سنة 1950م  استاذ الخط  الشيخ منيب الجارودي يطلب منا كتابة أبيات كتبها على اللوح تقول:
رأيت الناس قد ذهبوا
                 إلى من عنده ذهب
ومن ما عنده ذهب
فعنه الناس قد ذهبوا
وأبيات أخرى نص الشطر الاول منها رأيت الناس منفضه  الخ وثالثة مطلعها رأيت الناس قد مالوا الخ. 
ألا ان غالب الخطوط التي كتبت بها الوثائق الشرعية كانت  بالثلث والرقعي. 
- من الطريف أن نشير إلى أن أستاذنا الشيخ منيب رحمه الله كان أنيقاً في لباسه وقد خاط ذات يوم بذلة كانت القطب ظاهرة فيها فمازحه أحد زملائه بقوله:
خاط  منيب   بذلة
تشبه  لون  الأرنب
لا عيب فيها ظاهر
سوى ظهور القطب 

فحورها المرحوم الدكتور عمر فروخ الى:
خاط   منيب  بذلة
تشبه لون  الثعلب
لا عيب فيها ظاهر
العيب فيها مختبي
  * محامٍ ومؤرخ