15 آذار 2024 12:00ص .. وجاء رمضان

حجم الخط
 د. الشيخ علي محمد الغزاوي*

رمضان شهر ليس كغيره من الشهور لأنه شهر تتميز فيه العبادات وتتميز فيه النفوس حيث تكون العبادة بتمامها جسداً وروحاً وتتميز النفوس حيث تكون المجتمعات أكثر تراحماً وعطاءً. 
وهنا نسأل أي صوم نريد؟. 
نريد الصوم الذي تتألق فيه الأرواح لتجعل الصوم صوم جوارح ومن ثَم صوم المجتمع الملائكي بإرادة أهل الصوم حتى يكونوا على ملىء الملائكة متقدمين. 
نريد رمضان المدرسة التي يتخرج فيها الصائمون وهم يحملون شهادة التقوى. 
نريد الصوم الذي يجعلنا جزءًا من نصرة الأمة بالإعداد الكامل لمواجهة الأعداء.
نريد الصوم الذي ينصرنا من خلال حب العطاء للآخرين حتى يعم التراحم الأوطان كلها وعندها تتحقق مقاصد الصوم على حد قول سيدنا يوسف عليه السلام أخشى أن أشبع فأنسى الجائع. 
هناك صوم الفرد وصوم الأسرة وصوم المسؤول والمجتمع.
وإذا كان الصوم لتحقيق غاية التقوى ( لعلكم تتقون ) وإذا كانت التقوى لتحقيق غاية الشكر لله (لعلكم تشكرون ) فليكن صومنا صوم الأتقياء حتى نكون في عداد الشاكرين. 
كم نحن بحاجة إلى مدرسة الصوم ونحن في وطن آن الأوان أن يصوم البعض عن حب الأخذ من الوطن، وليكن حبنا للعطاء لوطننا حتى يتعافى الوطن ويكون جميع المواطنين في عيد لأنهم ينتمون إلى وطن يعطي كما العيدُ يكون عنوان العطاء من أهل الأرض والسماء. 
واليوم يأتي رمضان مع عنوان الطوفان الذي أطلق من أرض فلسطين الحبيبة فاجتمع للأمة عنوانان كل منهما ركن لوحدة الأمة حول قضيتها الكبرى فلسطين. 
واذا كنا لا نستطيع التغلب على العدو حتى نتغلب على كثير من الشهوات، فهذا رمضان جاء حتى يُسهم في تغيير كثير من مناهج حياتنا، والتي في الغالب هي جزء من خطة العدو والتي أصبحت عادة يعيشها المجتمع الإسلامي، ونسي أو تناسى بأنها تخدم العدو ولا تخدم رفعة الامة ونهضتها. 
ومن هنا جاء عنوان الطوفان ليغير كثيرا من حياتنا. 
فهذا الطوفان يجعل من القضية ولادة جديدة تستنفر القريب والبعيد. 
عادت قضية فلسطين في حياة كبارنا وصغارنا وفي حياة العرب والعجم المسلمين وغير المسلمين لتولد قضية فلسطين وبعنوان المسجد الأقصى والذي يضم إلى جواره كنيستي المهد والقيامة، تلكم الأمانة التي كانت وما زالت أمانة في ذمة المسلمين منذ عهد عمر رضي الله عنه حين فتحها وحين اشترط النصارى أن لا يساكنهم فيها اليهود. 
نعم جاء رمضان ليفتح باب التغيير مع عنوان الطوفان علَّ الأمة تستذكر قوله تعالى:(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). 
فإذا كان الجوع والعطش يولدان الرجولة فإن من يجوع اليوم في فلسطين هو عنوان الرجولة وركنها. 
وإذا كانت الشدائد هي التي تعلم فيها الرجولة فمن فلسطين اليوم نستعيد رجولة أمتنا. 
رمضان جاء ليعود القرآن في حياتنا تلاوة وليكون القرآن في حياتنا سلوكاً. 
رمضان جاء لتأخذ المساجد دورها ليس في استقال المصلين ولكن من أجل صناعة جيل التغيير. 
رمضان جاء من أجل طهارة المجتمع من داء الشح عبر العطاء والصدقات حتى تأخذ الصدقات دورها في بناء المجتمع واستثمار المال وليس بذلاً للمال للاستهلاك. 
رمضان جاء ليقول للإنسان إنك محكوم من خالق يعلم حاجتك فيأمرك لتفعل ويأمرك للترك رحمة بك وبالمجتمع الذي تعيش في أكنافه. 
وفي ختام الأمر نقول : رمضان شهر التغيير علينا أن نري ربنا  منا ما من أجله كان رمضان. 
في رمضان الليل والنهار ميدان العبادة فلتكن العبادة ميدانا لقربنا من ربنا.