24 تموز 2021 12:01ص أي مصير لدولة أوكلت لمصرفها المركزي مهامها المالية والاقتصادية والاجتماعية؟

حجم الخط
«حافظوا على الدجاجة التي تزوّدكم بالبيض» مقولة كان يرددها الرئيس فؤاد شهاب لزواره، وكان يقصد بها أن تنهج الدولة سياسة اقتصادية تعزز دور القطاع الخاص في مختلف مجالات الانتاج من صناعة وزراعة وسياحة وتجارة في عملية التنمية المستدامة.

إلا ان السياسيين اللبنانيين الذين أطلق عليهم الرئيس شهاب اسم Les Fromagistes أو «أكلة الجبنة» بدل سياسة اقتصادية - انمائية - اجتماعية اختاروا النهج الأسهل القائم على سياسة  محورها القروض وإعطاء البنك المركزي أو السلطة النقدية الدور الرئيسي ليقوم نيابة عن وزارات الدولة المهام المطلوبة منها بموجب مبدأ فصل السلطات، حتى بات مصرف لبنان على مدى عشرات السنين الماضية وحتى الآن مسؤولا عن السياسات الصناعية والزراعية والسياحية والتعليمية والبيئية عبر مدّها بالتمويل سواء بالدولار أم بالليرة بدلا من أن يتم هذا التمويل عبر قنوات سلطة الدولة المالية من واردات الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم والجعالات وباقي الواردات التي يستأثر أهل الحكم بالجزء الأكبر منها لأنفسهم في محاصصات وتقسيمات الفساد والهدر، تاركين للسلطة النقدية عبر البنك المركزي تدبير القروض لتغطية عجز الموازنات وتوفير الدعم من الاحتياطيات لمختلف القطاعات على الصورة المروّعة التي نشهدها اليوم في مختلف الطلبات التي تتوجه الى مصرف لبنان لتوفير الدعم للغذاء والبنزين والدواء وللصناعة والزراعة والسياحة وسواها من القطاعات التي يفترض أن تتولى تلبية مطالبها الوزارات كل حسب اختصاصه فيما دور المصرف المركزي، أي مصرف مركزي في العالم، هو ضمان الاستقرار النقدي عبر الحد من التضخم وصولا الى معدلات مناسبة للتنمية المستدامة والحد من البطالة بتوفير فرص العمل الكافية والملائمة لمهارات وكفاءات ومواهب المواطنين. وأي مهام إضافية ليست من اختصاص المصارف المركزية تلقى على عاتقها من شأنها أن تستنزف الاحتياطيات لدى هذه المصارف وتؤثر على سلامة النقد وتولد التضخم وترفع  الأسعار.

علما ان هذه الصورة بشكلها المأساوي المريع الذي نشهده في لبنان ليس سببها فقط تولي البنك المركزي المهام المالية والاقتصادية والاجتماعية نيابة عن الدولة، الى جانب المهام النقدية، إنما سببها أيضا أزمة الودائع التي ضاعت الطريق الى أصحابها وتاهت بين الدولة والمصارف والبنك المركزي الذي بعد أن كان مطلوبا منه أن يدعم ويساعد صار هو بسبب تناقص الاحتياطيات، بحاجة الى دعم ومساعدة، وعلى غرار ما ورد في مجلة «الأكونوميست» خلال الأزمة المالية العالمية ٢٠٠٧ - ٢٠٠٨ عندما ضخّت المصارف المركزية الأميركية مئات مليارات الدولارات في السوق المالية لمعالجة تداعيات الفقاعة العقارية واستنزفت جزءا كبيرا من احتياطياتها لدرجة انها «باتت هي المحتاجة الى مساعدة» كما تقول «الأكونوميست» التي دعت حكومات العالم الى أن تتولى سياساتها المالية والاقتصادية والاجتماعية بنفسها والاعتماد في تمويل الاقتصاد على مواردها الذاتية والكف عن التمويل عبر استنزاف الاحتياطيات النقدية لدى المصارف المركزية، كما هي  الحال في لبنان اليوم.