بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تشرين الثاني 2021 12:01ص اللاتوازن: الأجور والتعويضات «تلتهم» الواردات!

حجم الخط
«اقتصاد الرجل المريض» هكذا كانت توصف أحوال الامبراطورية العثمانية في السنوات التي سبقت إنهيارها على وقع جحافل الجيوش الغربية، وكان بين أسباب المرض، بيروقراطية تفتك بجهاز الدولة، وإنهيار سعر صرف العملة، والإرتفاع المروّع في النفقات العامة، لا سيما في الرواتب والأجور، إلى جانب الأكلاف العسكرية المتزايدة مقابل شح كبير في الواردات وفشل الحكم في الإصلاح.

علامات فارقة تشبه في الجزء الأكبر منها ما يحصل اليوم في ما أسماه زميلنا العزيز فؤاد مطر في كتابه القيّم «سقوط الامبراطورية اللبنانية». وقد كانت بالفعل نوعا من «امبراطورية» مالية مصرفية وخدماتية في شبكة واسعة تتعدّى حدود الوطن العربي إلى العديد من قارات العالم تكاد في بعض معالمها تشبه امبراطورية قرطاجة حفيدة مدينة صور لبنان اليوم التي وقد توسّعت حتى كاد البحر المتوسط «بحيرة» لها، لم تجد روما بدّاً من تدميرها بعد حرب ضروس معها استمرت نحو عشرين عاما. وقد دمّرت بالفعل بمرافئها وإهراءاتها ومصارفها وعملتها على الطريقة التي جرى تدمير مرفأ بيروت وإهراءات ومصارف وعملة لبنان اليوم.

وما بقي من هذه «الامبراطورية» إدارة رثّة في بيروقراطية قطاع عام الجزء الأكبر من انتاجه أعباء ضخمة في فاتورة رواتب وأجور ومكتسبات لموظفين وعمال ومتعاقدين ومتقاعدين بلغت حسب بيان وزارة المال في الـ٤ أشهر من هذا العام ٦٢% من مجمل واردات الموازنة العامة، إذا أضيف إليها فوائد العام وعجز الكهرباء لوقع العجز المحتّم الذي، وقد شحّ الإحتياط لدى مصرف لبنان وعزت القروض والمساعدات والهبات، لن يكون علاجه إلا بطبع المزيد من العملة وإنتاج المزيد من التضخم ورفع المزيد من سعر صرف الدولار والمزيد من إرتفاع أسعار المعيشة والمزيد من الفقر المدقع وصولا إلى المزيد من الإضطرابات الإجتماعية والأمنية.

والأرقام الأخيرة الصادرة عن البنك الدولي تشهد ان ارتفاع أسعار السلع المعيشية في لبنان في الفترة بين ١٤ شباط ٢٠٢٠ و٢٦ تشرين الأول ٢٠٢١ جاء الأعلى بالمقارنة مع معدل الإرتفاع في دول المنطقة. والسلع التي أصابها الإرتفاع تتراوح بين ما تستهلكه الطبقات الفقيرة والطبقات الميسورة معا، بدءا من أسعار اللحوم الطازجة والمجمدة التي ارتفعت خلال تلك الفترة بنحو ١١٨% مرورا بالأجبان بنحو ٥٣% والحليب المجمد والسائل بنحو ٥٥% والبطاطا ٦٠% والبندورة والموز والخبز وباقي إنتاج المخابز بما يتراوح في كل منها ما بين ٣٢ إلى ٣٣% وصولا إلى الرز بأكثر من ١١%.

وهكذا مع رفع سعر الدعم عن السلع المعيشية والضرورية والمحروقات والأدوية وكل المستلزمات الطبية في بلد يستورد أكثر من ٨٠% من حاجياته، تصبح الساحة خالية لسيطرة سعر صرف الدولار على عملة وطنية تنهار قوتها الشرائية يوما بعد يوم، بما يعيد ذاكرتنا التاريخية إلى فترة التضخم المفرط في ألمانيا التي كانت يدفع فيها الأجر ساعة بعد ساعة تجنّبا لإنهيار العملة بين الساعة التي يتسلم فيها العامل أجره واللحظة التي يشتري بها السلعة المطلوبة!!

أليس هذا ما يحصل الآن نسبيا في لبنان حيث الفارق كبير أحيانا بين سعر الصرف في الصباح والسعر عند الظهر، وأحيانا كبير جدا بين سعر الصباح وسعر المساء!!