بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 تموز 2020 08:17ص المطالبة بزيادة الأجور.. سلسلة من مسلسل

حجم الخط
مسلسل جديد شبيه بسلسلة الرواتب التي لم تتعلم منها الاتحادات والنقابات العمالية ان كل زيادة في الأجور إذا لم تترافق مع مكتسبات اجتماعية وزيادة الانتاج وكسر الاحتكار ومنع ارتفاع الأسعار، يصحُّ عندها البيت الشعري: «أكلت حلاوة وشربت ماء فكأنني لا أكلت ولا شربت»!

والدليل انه عندما انخفضت الليرة ٧٠% ارتفعت أسعار المعيشة ٧٠% وانخفضت قوة الأجور ٧٠% وعادت الاتحادات والنقابات الى الحلقة المفرغة نفسها: تضخم دون انتاج وزيادات دون مكتسبات.

ففي حين، قبل الأزمة الاقتصادية الحالية، بلغت نسبة الحد الأدنى للأجر في لبنان بالمقارنة مع المعدل الوسطي العام للأجور، النسبة نفسها تقريبا في كل من أميركا وكندا واليابان وبريطانيا واسبانيا، إلا ان المكتسبات الإضافية التي يتمتع بها الموظف والعامل في تلك البلدان محروم منها الموظف والعامل في لبنان. ومنها: ضمانات  ضد المرض والفقر والعوز والبطالة والشيخوخة، ومجزية للابداعات والانجازات والابتكارات، وحمايات أمنية وعدالة قانونية وقضائية من دول تعطي من المكتسبات مقابل ما تأخذه من ضرائب وجعالات بالمقارنة مع دول موهبتها الوحيدة كما في وصف Adam Smith «فن تفريغ جيب شعبها وملء جيوب حكامها»! وعبر ضرائب متواصلة كلما ارتفعت ١٠% هبط الانتاج ١% وازدادت البطالة وارتفعت الأسعار ونقصت القوة الشرائية وعلت صيحات العمال وتضخم ورم الاقتصاد بما يشبه حالة طائر كلما ازداد حجمه عجزت جناحاه عن الطيران.

«رشوة» الزيادات

الكثير من الحكومات تعالج عادة هذا الوضع الغريب في «رشوة» للعمال بزيادات تعرف الحكومات جيدا ان التجار سيضيفونها الى أسعار السلع، فيدفع العمال عندها  الثمن بنتائج عكسية على طريقة Fire Back لا سيما متى كانت عمليات البيع والشراء تحصل تحت «رادار» الرقابات الحكومية كما هي الحال غالبا في لبنان. وقد يكون هناك أحيانا فائدة من زيادة الأجور لتحريك الطلب في الأسواق على المنتجات، وهذا في حال ان المنتجات من صناعة محلية. أما في حال لبنان فما يحصل هو العكس حيث أكثر من ٨٠% من السلع في الأسواق أجنبية، تؤدي زيادة الطلب عليها الى اخراج مليارات الدولارات من الاحتياطيات الوطنية الى المؤسسات المنتجة الأجنبية. يضاف ان الزيادات التي تستحقها العمالة الماهرة والنشيطة، تحصل عليها بالقدر نفسه العمالة الكسولة وغير الماهرة، ما يحدث خللا في العملية الاقتصادية. كما ان الزيادات في العديد من الحالات متى حدثت في فترات الركود أو الكساد تؤدي الى زيادة البطالة حيث المؤسسات التي تفرض عليها هذه الزيادات كثيرا ما تلجأ في مواجهة الأعباء الجديدة، الى صرف العديد من العمال فيتناقص عندها حجم الاقتصاد الخاص والعام على حد سواء. كما انه في اقتصاد يعاني من أزمات اقتصادية وفيه قدر كاف من الحرية والمرونة في العرض والطلب أو يزداد فيه العرض على الطلب كما هو حال اقتصاد لبنان الآن، تلجأ المؤسسات عادة الى اختيار العامل الأقل مهارة والأقل أجرا ويؤدي ذلك الى ما يشبه قانون Gresham الشهير عن النقد «العملة السيئة تطرد العملة الجيدة من السوق».

إذن ما العمل؟

من البديهي ان هذه العوامل كلها لا يجوز أن تعني على الإطلاق أن يترك العامل اللبناني فريسة الحرمان وفي فك وحش التضخم والغلاء، بل تعني أن لا يستبدل العامل المطالبة الواعية والمحقة بمكتسبات ثابتة ودائمة ومكاسب وافية وكافية، بزيادات وهمية  تضخمية تستنزف قوته الشرائية أو ترضي أهدافا سياسية، كما هو الأمر عندما أقرّ مثلث الحكم سلسلة الرتب والرواتب على أبواب معركة الانتخابات النيابية كي يقطفوا  أصوات شرائح كبرى من موظفين وعمال وعائلاتهم وأقاربهم، حشروا بين حوالي ٤٠٠ ألف موظف وعامل ثابت ومتعاقد ومتقاعد ومياوم في دوائر الدولة باتت تشكّل أجورهم أكثر من ٤٠% من واردات الموازنة العامة، وانتهى الأمر الى أن ما قطفوه باليد اليمنى من الزيادات خسروه باليد اليسرى جنون أسعار وضرائب ودون أي مكاسب أو مكتسبات.