بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 آذار 2021 12:00ص خير الدين حسيب.. وحدة عربية بدءاً من الاقتصاد

حجم الخط
كان الحوار معه في مطعم «سقراط» حارا على طريقة «سقراط». وكان «الصحن اليومي» في الحديث الاقتصاد. فقد كان خير الدين حسيب (رئيس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية) قوميا عربيا بدءا من الاقتصاد، وكان يرى في أفكار «البعث» عناوين عريضة ينقصها التفصيل والتحليل. وقد كلّفته مواقفه السجن في العراق، وانتدب ميشال عفلق مؤسس البعث، المفكر اللبناني منح الصلح للتوسط لدى قادة النظام الجديد في بغداد للإفراج عنه. ولم يحدْ بعدها ولا قبلها عن مواقفه القومية الواقعية التي كانت تستند الى خبرة عملية. فقد كانت غالبية المناصب التي تولّاها ذات طابع اقتصادي. وكان الاحصاء سلاحه الرئيسي في كل مهمة اقتصادية من أستاذية الاقتصاد في جامعة بغداد الى رئاسة وحدة البرامج والتنسيق في «الأسكوا» ونيابة محافظ البنك العراقي الدولي للإنشاء والتعمير، وحاكمية صندوق النقد العراقي الدولي، وعضوية مجلس إدارة شركة النفط العراقية، ورئاسة مجلس إدارة الضمان الاجتماعي. وعندما عرض عليه الرئيس العراقي عبد السلام عارف منصب محافظ البنك المركزي، اشترط أن يتمتع البنك بالاستقلالية الكاملة عن الطبقة السياسية، وإنطلاقا من نظرته بأن انحسار دور النخبة العربية سببه عدم تمتعها بالاستقلال الاقتصادي، فهي تحتاج الى مال كي تقوم بدور فاعل، فلا تحتاج الى اتخاذ مواقف لا تنسجم مع مواقفها على طريقة «الأسلوب الأنيس في مخاطبة الرئيس»، وخلافا لفكرة «البعث» كان خير الدين حسيب يرى أن الوحدة العربية تبدأ على الطريقة التدريجية التي بدأت في أوروبا، وفي برنامج عمل ضمنه صيغة اتحادية اقتصادية فدرالية من العراق وسوريا والأردن وفلسطين ولبنان (واليمن إذا لم يوافق مجلس التعاون الخليجي على ضمّها) ودول الخليج (إذا لم تتحد في مجلس التعاون، كما حصل فيما بعد) على أن يكون هذا الاتحاد منفتحاً على مصر والسودان لأنهما خارج إطار مجلس التعاون الخليجي. واقترح كخطوة أولى أن يخصص العراق نسبة من انتاج النفط لمساعدة فلسطين والأردن وسوريا ولبنان لأغراض تنموية وعسكرية. وكان يرى ان الناس في لبنان خلال الحرب الأهلية كان يمكن أن تموت لولا المجتمع المدني. فقد كان خير الدين أديب علمانيا، وكان اشتراكيا اتخذ شعار «الخبز مع الكرامة» لـمركز دراسات الوحدة العربية التي أسسها بثمن بيع منزله الذي قال عنه «ان كل أثاثه كان تبرعا من الأصدقاء» فهذا - كما قال في مقابلة معه - «جاء بالكراسي وذاك اشترى الثلاجة وذلك تبرّع بمستلزمات المطبخ» و«من أحد النجارين أشتريت بالأقساط بقية أثاث المنزل» كما قال، مضيفا انه كان تدخين السيكار فيما بعد، الى جانب الكتب، متعته اليومية «لكنني عندما عرفت ان راتب الشاب الذي يشتريه لي، يعادل ثمن علبة السيكار، توقفت عن تدخينه». فقد كان خير الدين حسيب على خط جمال عبد الناصر الذي التقاه مرات عدة، ضد فساد السلطة وسيطرة رأس المال على الحكم وداعية مساواة وعدالة اجتماعية. وآلاف الكتب التي صدرت بإشرافه عن «مركز دراسات الوحدة العربية» ستبقى على مرِّ الزمان قبسا وشعلة نور تضيء الطريق نحو بناء الإنسان بالتنمية المستدامة لوحدة عربية واقعية.