بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 شباط 2024 12:00ص أنقذونا من أهلنا!

حجم الخط
بلى، الدولة تكون كما يكون معظم شعبها، فكم بالحريّ إذا كان الشعب شعوبا وقبائل؟
مشكلتنا أن السواد الأعظم من شعبنا يتعاطى، ولو بدرجات، السياسة والتجارة المتفاعلتين عندنا تفاعلا غريبا عجيبا. ولا أغالي في شيء، إذا قلت إن أدنى المهن وأحطّ الصناعات، أشرف من التجارة البعيدة عن مواطن الرأفة والإنسانية، وان السارق والتاجر الغليظ الكبد، صنوان لا تفرّق بينهما عين العدالة الإلهية، يوم الثواب والعقاب، وربما قبلا بصيرة المبدعين والمفكرين الثقات.
المتلاعبون بأسعار السوق ليل نهار، والمتمسّكون بحاجات الناس طمعا بالربح السهل والسريع، يعتبرون في عداد المجرمين، لأنهم يمنعون أسباب العيش، عن كثير ممن لا تمكّنهم رقّة حالهم، من الحصول على القوت، إلّا بشق النفس وإرهاق الجسد.
كم أحب أن يعلم أولئك الطامعون المرتهنون، أنهم بسيطرتهم على الأسواق والعباد، ولو بسن قوانين يومية متضاربة، وبهيمنتهم على منتوجات البلاد، وفرزهم الطوائفي والقبلي، يحولون بين نعمة الله وخيرات ملكه، وألوف من عباده المحتاجين والبائسين. فقد سخّر لنا الله الضياء والماء والهواء، وأعطانا مساحات شاسعة من الأرض، لنستثمرها ونستخرج منها ما يساعدنا على البقاء، فمن الظلم والإجرام أن تنازعنا عليها جماعات، متداخلة أحيانا، من النفعيين المتفننين بأساليب الغش والاحتكار.
وعندي، أن هذه الفئة المتعاظمة والمتلونة، لا تمتّ الى البشرية بسبب، لأنها منبعثة من صميم القسوة، ولأن القساة أعداء الرفق والحنان، المنبثقين من روح الله، مصدر الخير والحق والإحسان.
وهذه شريعة السماء، وشرائع الأرض كلها، تحرّم الغلاء والاستغلال، وتمنع التلاعب بمقدرات الأمة، وتمقت الاحتكار وتلعن المحتكرين. ولكن حب المادة، ولو جوفاء، وحب السيطرة، ولو رعناء، يصمّان الآذان، ويغشيان العيون، ويفسدان القلوب، ويخنقان الضمائر، ويمسخان الإنسان وحشا يفترس وهو شبعان، في حين لا يقدم الذئب الشره الشرس على فريسته، إلّا عندما تعضه أنياب الجوع.
الاحتكار، ولو تحت شعارات وهمية فارغة، دليل أمراض الأنا، ولو قبائليا، ورمز الجشع الأثيم. استحالت غابتنا جسدا أجرد بلا رأس، وغدت مقلعا...والقيّمون عليها ، يجسّدون، في هرميتهم، طعنة نجلاء في جسم «الدولة». وما دام المجموع تعدديا وطعينا في مكوناته الأصلية والدخيلة معا، فلن نفعِّل (بكسر العين وتشديدها) جوهره ووجود أبنائه.
هل يبقى أهلنا على درجات من «المعليشية» (وهي عنوان كتابي الأول عام ١٩٧٢) تجعل كبار المحتكرين وأثرياء الحروب والدهور و«الأكابر» الجدد، أشبه بجراثيم خطرة في دماء بلادنا المنهوبة؟ هل ينبري مزيد من الطارئين على «الحكم» ليؤازروا في ابتلاع ما تبقّى من ثروات و«أصول»، وتمزيق آمال أصحاب الرؤى والمبدعين والطبقات العاملة في صمت؟
إن لبنان-الرسالة ودنياه الرحبة، يضيق نطاقهما أكثر فأكثر، ما يجعل حياتنا عرضة لمزيد من المطامع الخارجية، التي تضاعف كل بؤس وتمسي مبعثا لكل شر. فعلينا نفسنا نفتش عن معايبها، وكفى!!!

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه