بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 شباط 2024 12:00ص الانحراف إلى الشهرة!

حجم الخط
ظهرت في طريق كثيرين من عظماء الرجال والنساء، حواجز فباتت كأنها لا يستطاع تخطّيها واجتيازها. ولكن القوة الجبّارة، قوة الإرادة والجهاد المتواصل والسهر المضني والتدبير السديد والاجتهاد الذي لا يعرف كللا ولا مللا، دفعتهم إلى اكتشاف ثغرة في تلك الحواجز الحصينة، وطريق تخطوه إلى الكرامة والشرف فالنجاح!
واحد هؤلاء العظماء الأفذاذ، شاب ألماني، عازف بيانو، وقد كان في رغبة وحماسة شديدتين، ليكون ماهرا رشيقا في عزفه. وكان يعوقه ويقض مضجعه إصبعه الوسطى، فقد كان عليه أن يرفعها وهو يتمرن على العزف. وهذا النقص جعله في حالة من اليأس كادت تقضي على طموحه الوثّاب، وكاد قنوطه يقتله ويقضي على الأمل الذي يهدر في قلبه. ولكنه فجأة يثب على قدميه ويقول: لِمَ اليأس والقنوط؟ فإذا لم أحسن العزف، فما عليّ إلّا أن أكون منشأ للألحان، فألف الألحان الخالدة والسمفونيات، وعددا من الأغاني الخالدة، التي كانت تتدفق من قلمه السيال. وهكذا أصبح أشهر المؤلفين الموسيقيين في العالم. هل عرفه القارئ الحبيب؟! إنه روبرت شوبان!!!
وهذا شاب انكليزي يشعر بقوة تدفعه إلى أن يكون ممثلا، وأقيمت حفلة كبيرة في «كوننت جاردن» في لندن. وقد حضر الحفلة شخصية كبيرة هو شارل كمبل، الذي جاء خصيصا ليرى هذا الممثل الشاب ذا الموهبة العظيمة. ولكن، ما أزّفت ساعة التمثيل، حتى فوجئ هذا الممثل الطموح، بزكام شديد والتهاب في الوجه والحنجرة، ففاتته فرصة كان يتمنّاها ويترقّبها ويتلهّف إلى سنوحها! فأصيب، نتيجة لتلك الخيبة والصدمة، بقنوط شديد. وعندئذ قرر أن يحول جهوده إلى الصحافة فنسي المسرح! والعالم، لا شك، يشكر ذلك اليوم الذي أصيب به الشاب بالزكام والالتهاب، فقد أصبح، بعد حين، من أشهر المؤلفين في العصر الحديث. هذا الرجل الذي ما زال القرّاء يتهافتون على مؤلفاته في كل أنحاء الدنيا، هو الكاتب الشهير شارل ديكنز!!
قيل إن وراء كل عظيم امرأة. وفي هذا القول ما فيه من إجحاف بحق الرجل والمرأة على السواء. والأولى بنا أن نقول إن كل ذي «عاهة» جبّار، بمعنى ما. و«المستوى» الدراسي المأزوم عندنا اليوم، لا يمنع أن يكون ثمة دافع لا يقاوم وشوق عميق وإرادة تفل الصخر وحب شديد للمجازفة، تحمل بعض ناسنا إلى العمل المضني، في البحث والتنقيب والتجارب، فترفعهم، دون سواهم، إلى الصدارة على أرض الوطن وبين أعاظم الرواد العالميين. فأين هم قابعون أم تائهون؟!!

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه