بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 تشرين الثاني 2023 12:00ص البيان والذكريات

حجم الخط
قال د. غازي عبد الرحمن القصيبي: «مشكلتي الحقيقية ليست النسيان، مشكلتي كثرة الذكريات».
ومشكلتي مع أمتي هي كثرة الذكريات. من ضمن تلك الذكريات أمران يطغيان اليوم مع ما شهدناه لمدّة شهر ونيّف من مجازر وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية شنّتها الغارات الإسرائيلية وإبادة مدنيين أبرياء من الشعب الفلسطيني طالت الأطفال وأهاليهم أكانوا في منازلهم أم لاجئين في مدارس ومحيط المستشفيات.
تعود بي الذاكرة أولا الى عام ٢٠١٨ والى الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وكندا إثر تغريدة نشرت على موقع السفارة الكندية في الرياض تنتقد اعتقال ناشطين سعوديين. سحبت حينها الرياض سفيرها لدى أوتاوا وطردت السفير الكندي وجمّدت العلاقات التجارية والإستثمارية وأوقفت دراسة عدد كبير من طلابها في الجامعات الكندية حيث أعتبرت المملكة الانتقادات الكندية تدخّلا في الشؤون الداخلية للدول. إستغرب حينها البعض المواقف المتخذة من السعودية ليس إعتراضا على تلك الإجراءات إنما تساؤلا كيف لم تتخذ الرياض مثل تلك الإجراءات عندما ورد في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان في العالم انتهاكات السعودية منتقدين بذلك المملكة في مجال حقوق الإنسان.
كذلك تعود بي الذاكرة الى عام ٢٠٠٤ حين حذّر الأردن مما سمّاه «الهلال الشيعي».
أسأل نفسي لماذا أستذكر اليوم تلك الأمور؟ أبسبب اكتفاء معظم الدول العربية بإدانة ما يحصل اليوم من قتل لمدنيين مع توكيدهم بإدانة عمل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في عمليتي «طوفان الأقصى» و«السيوف الحديدية» وكأن ردّة الفعل تساوي الفعل؟ لو أراد البعض أن يقيسها من وجهة النظر الإنسانية فقط متجاهلا حق الشعوب في تقرير مصيرها والدفاع عن أرض مغتصبة، فلا بدّ من الإقرار بوحشية الغارات الإسرائيلية التي تشنّ منذ شهر ونيّف مدمّرة مباني سكنية على رؤوس مدنيين أبرياء مخالفة بذلك القانون الدولي عموما والقانون الدولي الإنساني خصوصا! أبسبب عدم اعتبار تلك الغارات الإسرائيلية إبادة جماعية؟ أبسبب نصال بيان الختامي لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري الذي انعقد بعد شهر من بدء هذا الطغيان الجوي الذي يسقط سقوف المنازل على أطفال ونساء وشيوخ؟
أليست فلسطين عربية؟ أليس من يسقط في تلك المجازر ناس مدنيين أبرياء؟ أتكفي الإدانات ومضمون القرارات المعتمدة في بيان مجلس جامعة الدول العربية مقابل وحشية الرد الإسرائيلي الذي طالما عانى منه الشعب الفلسطيني الذي يسعى ويقاوم في تراب أرضه اليوم لتحرير نفسه من حصار وتعدّيات وإستقواء إسرائيلي؟
متى ستستفيق الأجيال العربية على بيانات جريئة تتخذ في مجالس جامعة الدول العربية يقرر فيها تجميد علاقات تجارية واستثمارية وغيرها من ضغوطات اقتصادية تفرض على بلاد في الشرق والغرب تقف وتؤيّد وتعطي أحقية لهكذا ردّ إجرامي على شعب مدني بريء بأطفاله ونسائه وشبابه وشيوخه ورجاله؟!
يحزّ في أنفسنا أن يدخل الإسرائيلي/ الصهيوني الى بلد عربي ما في حين لا يمنح العربيّ فيزا سياحية لذلك البلد.
قهر بقهر تعيشه بعض الشعوب العربية وآخرون تراهم يلتهون باحتفالات فنية. يا خوفي أيها الأحباء أن تكونوا ترقصون اليوم كما ظلّ اللبنانيون يرقصون عام ١٩٧٣ أثناء حرب أكتوبر.
إنتبهوا وتنبّهوا، المخاطر كثيرة والتخطيط الإسرائيلي أكبر وأوسع من فلسطين كما يقال.
فبالله عليكم، ماذا فعلتهم أيها العرب منذ سنوات لاسترجاع فلسطين عربية حرّة وحماية شعبها وشعوب عربية أخرى وبعضكم يتحدّث عمّا سمّاه «الهلال الشيعي»؟! أينكم من فعل مقاومة صائبة لحفظ فلسطين وحماية البلدان العربية وحضارتها؟!
أمر جيّد أن تحاول الدول العربية ضمن الدبلوماسية السليمة والمنفتحة الحصول على أمان أمّتها العربية، إنما عندما لا تلقى قراراتها آذانا صاغية وقبولا بالسير بها من دول مختلفة أكانت أعداء أم حلفاء أم أصدقاء فقد يصبح الأجدى أن تتخذ جامعة الدول العربية قرارات جريئة لكي تصل الدول العربية كافة الى برّ الأمان لمواجهة المخططات التي طالما تحدّث عنها في الماضي بعض رؤساء العرب السابقين ولحماية الشعوب العربية التي يواصل التخطيط الإسرائيلي ضربها وتغيير ديمغرافيتها وتقسيمها.
وأخيرا حمى الله عروبة فلسطين وعاصمتها القدس وحمى أطفالها ونسائها ورجالها وشبابها وحمى الله البلاد العربية كافة كلاّ منها بحفظ مساحتها وحضارتها وثقافتها وحمى شعوبها.

مواطنة لبنانية عربية