بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 أيلول 2023 12:00ص الثقافة والتربية والإعلام... وزارات سيادية!

حجم الخط
العمل الوزاري يحتاج الى جهد متواصل ودأب موفور وإيمان وثيق بنفعه وبتأثيره القوي في ترقية الشعوب، وخلق الحضارات، وبناء صروح العزّة والكرامة.
وانك لتستطيع أن تقيس نهضة الوطن بمقياس العمل الثقافي. فالوطن الحيّ يزخر بالتربية وما إليها، ويزهو بالفن الرفيع، ويزدان بالمشاريع العمرانية والإنسانية. والوطن الوكل الخامل يهمل العلوم والآداب والفنون، ويعرض عن وسائل الثقافة وعوامل التجديد والابتكار في شتى نواحي الحياة.
الثقافة الراقية مهماز المدنية ومشعل الإبداع الفني. فاليونان والرومان والفرس، في أوجّ عزّتهم وذروة سيادتهم، كانوا ينعمون بثروة ثقافية عظيمة. وحين فقدوا هذه الثروة، تضعضعت مكانتهم الاجتماعية، وما لبث صرح سطوتهم أن تداعى وأصبح ركاما فوق ركام.
وهكذا كان شأن بقية الشعوب التي عرفت في الأزمنة الغابرة بقوتها وعلو مكانتها، فقد اضمحلت فيها الهيبة حين تسرّب إليها الجهل والتواني والتمسّك بأوضار المادة. ومن كان في شك من ذلك، فليستعرض أسباب سقوط الإمبراطوريات في الشرق والغرب، وليدرس تلك البواعث التي تنهض بالناس الى ذرى الكرامة، أو تكبو بهم الى هوة المذلّة والانحطاط. وعندئذ يتيقن ان للوزارات المعنية (فعلا!) تأثيرا عميقا فعّالا، لا سبيل الى إنكاره أو تقليل أهميته.
الوزارات الرشيدة وسيلة مجدية في إنارة الأفكار وتفتيح العيون على آفاق الحق والمعرفة، وتوجيه الجماهير الى وجهة الخير والتعاون المنبثق من صميم الأخوة الإنسانية، والمنبعث من روح المروءة الوطنية.
معظم ولاة الأمر عندنا ومن وراءهم تتجه أنظارهم حصرا الى سياسات نفعية ضيقة. أما النخبة فهي تعيش على هامش الوجود كاليتيم المنبوذ، عليه أن يتخطّى العراقيل ويكافح الصعاب ويصمد أمام الأزمات الخانقة.
صبرنا كثيرا على وضع الوزارات السيادية فعلا، من غير أن يفتّ في عضدنا أو ينال من عزيمتنا من إعراض «مسؤولين» وتجاهلهم القوى الوطنية الفعلية الفاعلة دون سواها خصوصا في مجتمعنا المرتهن.
متى تقوم تلك الوزارات الحقيقية لتخلق في البلاد نهضة مباركة، تنعشها أقلام المفكّرين، وتغذّيها آراء الاقتصاديين، وترعاها أنظار ما تبقّى من كبار السياسيين بالعطف والتأييد، لتنمو وتزهو وتذيع للبنان - الرسالة، ذكرا عاطرا محترما، يعيد الى الأذهان، عهد الانبعاث في أيام الرشيد والمأمون، ذلك العهد الزاهر الذي أجمع الباحثون والمؤرخون على تسميته عصر العرب الذهبي.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه