بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 آذار 2023 12:00ص الدوافع الحقيقية لخلق الشخصية الروائية

حجم الخط
تتماشى مفاهيم فلسفة الضحك بعيداً عن التعاطف مع الفكاهة والسخرية النقدية تحديدا، والتي يستطيع الكاتب أو الرسام من خلالها توضيح النقاط السلبية التي يعالجها في عمله الفني أو الأدبي، وبجدّية لا تتخلخل معها البنية الفكرية للعمل ثقافيا خاصة تلك التي تثيرها الأعمال الدرامية أيضا، وتحتفظ بها المخيّلة بشكل تخديري للنقطة الحساسة التي يتم معالجتها، وبعاطفة تثير معها العناصر العقلانية التي تستخلص السلبيات والإيجابيات، وتغربل معها المساوئ المرتبطة بالشخصية أو بالموقف المثير للسخرية أو المسبب لفكاهة معينة، كما هي الحال مع «دونكيشوت» ومع أغلب الايحاءات التي صدرت عن مواقفه الإجتماعية هزليا أو حتى كلماته التي تثير الشعور بالمتعة بعيداً عن التعاطف الذي يتجسّد بالمودة تجاه هذه الشخصية التي تولّد الرفض والتعاطف معا أو التوحد معها والاحساس باحساسها من حيث إزدواجية الشخصية التي تلعب دورها في العمل الأدبي تحديداً. فهل إبراز نقاط ضعف الشخصية الاجتماعية في العمل الروائي هي لإعادة تشكيلها من جديد؟
إن تكوين شخصية مرادفة للشخصية التي يسلّط عليها الكاتب الضوء هزليا بشكل أساسي أو حتى من خلال المواقف الساخرة تؤدي إلى استخراج الحقائق المرتبطة بتكوين شخصية الفرد بشكل جدّي ومتين نقديا وبشكل إنساني، وكأن المواقف التي يطلقها الكاتب من خلال هذه الشخصية هي لتصحيح مساراته الحياتية، بل واستدراك التوازنات الإنسانية التي تلعب دورها خاصة في الأدب الخيالي، وقواعده الهيكلية في تركيب الشخصية بيولوجيا وحيويا ونفسيا، وجعلها رئيسية ولا يمكن الإستغناء عنها، لتكون ضمن الأوليات لدى القارئ الذي يصحح الشخصية من خلال خياله الخاص أو مفاهيمه الواقعية في الحياة فيرفض سلوكياته أو يقبل بعضها ويعكس الأخطاء لتصحح الشوائب، وتبعا لشخصيته وأحلامه وخياله، وقدرته على المحاكاة التخيّلية والاستكشاف للعثور على الثغرات وتصحيحها، ومن ثم الإنتماء إليها أو رفضها رفضا قاطعا، وإنشاء المتخيّل المرادف لها، وهي شخصية أخرى تتكون تلقائيا من سلبياتها، وضمن الإيجابيات المقبولة إنسانيا. فهل يمكن اختزال الشخصيات الروائية الاستثنائية بالشخصية الرئيسية التي تستعصي على القارئ في قبولها كما هي منطقيا، فيحاول التصحيح بشكل تخيّلي لتكون مثالية اجتماعية أو سياسية وغير ذلك؟!
لا يمكن فهم الدوافع الحقيقية لخلق الشخصية الروائية الفكاهية أو الساخرة أو القاتلة في العمل الروائي أو حتى الشخصية الهزلية أو حتى تلك الضعيفة في توجهاتها الحياتية، فتنقلب الى قاتل أو حتى الى مريض نفسي أو حتى الى إنسان لا يمكن له الاعتماد على نفسه، كما في روايات فيودور دوستوفسكي أو اغاتا كريستي أو حتى شخصية آنا كارنينا بعيدا عن التقليد الاجتماعي أو استخراج عادات وتقاليد اجتماعية تؤسس إلى تعايش مع القسوة مثلا، كالأب في روايات دوستوفسكي أو آنا كارنينا بعبثيتها بعيدا عن الشخصيات الأسطورية التي لا مثيل لها في الحياة، والتي يمكن لها أن تمنح القارئ صفات معاكسة قادرة على التقويم الاجتماعي، كما في رواية «الحارس في حقل الشوفان» وقدرة الكاتب على إبراز شخصية المراهق الذي استبدل سلوكه عندما أدرك أنه قدوة لأخته التي قررت الهروب معه، وبالتالي رفضه ذلك لإدراكه سلبيات ما قام به، وأنه المثل الأعلى لأفراد أسرته، فهل يمكن للكاتب الروائي أن يكون محافظا وبشكل إنساني من خلال الانفلات السلوكي الذي تمثله الشخصية الأساسية في عمله الأدبي؟
لا بد من التعمّق في مفهوم الشخصية التي انطلق منها الروائي، ووضعها تحت المجهر لدى القارئ لاكتشافها سلوكيا، اجتماعيا، عقائديا، نفسيا وما إلى ذلك، وبالتالي تحتاج من الكاتب قدرة معرفية كبيرة بأبعادها لتكون مؤسسة لقيم ومفاهيم تهدف الى البناء الاجتماعي أولا القائم على المفاهيم المقبولة والمرفوضة، وبتطوير تتضح معها العواقب أو معرفة نتيجة سلبيات وإيجابيات الشخصية والدوافع الحقيقية التي يقف خلفها الكاتب الذي يجب أن يحمل لواء الإنسانية بكل جوانبها.