بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 آذار 2023 12:00ص الربيع عاد...

حجم الخط
يطيرُ بي الصباح الى صباحكَ، حين يتلألأ شلّال أنواركَ.. أيتها الغابات وحقول القمح وحدائق الورود والياسمين.. أيتها الشوارع والبحيرات والأنهار وأيّها البحر وكلّ الصامدين بوجه الرياح والعواصف والأعاصير وكل ما جادت به الغيوم من أمطار وثلوج.. رحّبوا معي بعودة الربيع، وأيتها الدنيا أشهدي بأن الظلم تكرّر كثيراً خلال غيابه، والآن لا نريد أن تعود ليالي الصمت لنذرف دموع الندم.. حتى القهوة حين انسكبت على أوراق الصحيفة، مرّ من خلالها سربٌ من الغربان ملأ المكان برائحة غريبة! وأنا أصدقك القول أيّها الربيع بأني لا أدري متى سأرحل.. لكن حقائبي تقول بأنني على أهبة الرحيل بحثاً عن وطن آخر.. نعم جذوري تخلّت عن أرضها، ولم يبقَ أمامي سوى صقيع الرحيل.. خلال هذه اللحظات القاسية وقفت على حافة نافذتي سنونوة، راحت تحدجني بنظرات قاسية وفاجأتني بقولها: «أنتم تغادرون زرافات ووحدانا.. تهجرون الأرض التي تغمرها أنوار الشمس وحنان الأمهات.. تتخلّون عن كل شيء جميل في هذا الوطن، رغم المأساة التي طالت وقد تحمّلتم ما لا طاقة لكم به.. ولكن لمن سأعود في الربيع المقبل؟ ومن سيستقبل معي ومع أحبته الصباحات الزاهية والجميلة؟ ومن سيقف بوجه اللصوص والفاسدين أعداء الحياة؟.. هذا جبنٌ وتخاذل.. ثم إن للأرض روحاً تترقرق مع عبير الأزهار ومع أصوات الأطفال..»، أجبتها بأسى: تلوموني الدنيا لأنني سأرحل، لكنهم أضرموا النار في الماضي والحاضر والمستقبل وأنا سئمت من كل شيء.. سئمت من العهود والوعود، بعد ما صار الرصاص يداهمنا في بيوتنا ويقتل الأطفال، وحين أنظر الى السماء مستجيراً أرى دموع الغيوم وأسمع نحيب الأمهات.. وها أنا أمشي وأمشي فلا أرى على الرمال أثار خطواتي! وما عاد يؤنسني نور القمر ولا دفء أشعة الشمس.. ورغم عودتك أيها الربيع، الأشجار لم تستقبل عصافيرها ككل مساء والنسائم ما عادت تردّد أغانيها، حتى الفراشات، يا إلهي هجرت حدائقنا.. الحزن فقط يطلّ علينا كل يوم.. ولا أدري كم نحتاج يا سنونوتي الى أكاليل من أغصان زيتون هذا الوطن قبل أن ترحل هي أيضاً!!