بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 أيار 2024 12:00ص الروائي والناقد سيد الوكيل لـ«اللواء»: «العبرة ليست بالذكاء الاصطناعي فحسب.. بل بقدرتنا على تسخيره لتأكيد إنسانيتنا»

حجم الخط
صدرت مجموعة الكاتب والروائي والقاص والناقد «سيد أحمد السيد الوكيل» القصصية الأولى (أيام هند) عام 1990م، عن جماعة من الأدباء والأكاديميين عرفت بـ (نصوص 90) كان لها حضور متميّز فأفضت هي وجماعات أخرى إلى بداية جديدة للمشهد الأدبي بعد سنوات من التراجع بدأت مع نكسة 67 واستمرت آثارها حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، ولعلّ مشاركته هذه الجماعة طوّر وعيه بالسرد وتقنياته ونظرياته الجديدة. فعندما صدرت (أيام هند) حظيت باهتمام واسع من النقاد، وكبار المبدعين أمثال (إبراهيم أصلان، ومحمد مستجاب، ومحمد البساطي) وقال بأنه كنت أسير على نهجهم، لكن قدرته على التمرّد، وكسر النمط، ظهرت في روايته الأولى (فوق الحياة قليلا 1997م) التي شكّلت اتجاها جديدا، لا يلتزم بقضايا الواقع السياسي كما كان الحال، بقدر ما يهتم بالإنسان ذاته، وأبعاده النفسية والثقافية التي يشكّلها واقعه المعاش، وفي عام 2007 قدّم (نوفيلا شارع بسادة) أكدت قدرته على الاختلاف والتميّز. وأكدت أن أعماله متفرّدة ولا تتشابه مع أحد. ولعل دراسته للأدب والمسرح ونظريات النقد على أيدي أساتذة أجلّاء منحته هذه الثقة في ابتكار منهج سردي يخصّه، مهما بدا غريباً عن الأنماط السائدة، وقوبل باستنكار التقليدين. 

{ فن القصة وصعوبة الاختزال هل يهرب منها الكاتب حاليا؟ وأين أنت على خارطة القصة الومضة التي استحدثت حاليا؟
- ثمة شواهد عديدة على يقظة جديدة للقصة، بعد سنوات من التهميش، بدأت مع مقولة (زمن الرواية) وهي مقولة مفتعلة آمن بها البسطاء من الأدباء والإعلاميين والنقاد، حتى أنهم تكلموا عن موت القصة القصيرة، لكن التاريخ الأدبي - ومنذ أرسطو الذي أكد على وحدة الفنون وتجاورها لتغذّي بعضها بعضاً - تعنى أن لا فن يموت، وقد أكدت التكنولوجيا هذا، كما أنها واعدة بفنون جديدة. أما القصة بالتحديد فهي عابرة للنوع، ومرنة، وابنة حدس اللحظة كما يصفها جاستون باشلار، بمعنى أنها طاقة من الإلهام، تتجدد في كل مرة. صحيح أنه قد يسود نمط ما لفترة، لكنه يبدأ في التلاشي ليظهر نمط جديد، فمثلا نلاحظ الآن انتشار (القصة الومضة) التي تحرص على الاختزال، لكن علينا أن ندرك الفارق بين الاختزال والتكثيف، فالكثافة نطاق أسلوبي للقص، منتج للعلامات التي تحتشد بدلالة واسعة ومشبعة. أما الاختزال فمباشر وغير مشبع للقارئ، يعتمد على بنية المفارقة لا أكثر، فيبدو النص أقرب لأمثولة، وأحيانا أقرب إلى مقولة أو حكمة، أو مانشيت على جريدة. أي أنه يفقد مفهوم السرد وعناصره، فيبدوا فنا فقيراً. 
{ هل يهرب الروائي اليوم من الرواية الفلسفية؟ وأين انت من الرواية الفلسفية اليوم؟
- مأزق الرواية أنها ملتزمة بتصنيفات وأنواع مثل: الرواية التاريخية، الرواية السياسية، الرواية الواقعية، الرواية الفلسفية.. الخ. أي أنها تفرض قوالب وأنماط على نفسها بعكس القصة، وتضطر كاتبها أن يلتزم بموضوعها المحدد إذا كان تاريخي أم فلسفي.. الخ. وهذا الالتزام يحدّ من أفق السرد لأنه يخلق مسافة كبيرة بين الذات الساردة والموضوع. وإذ أضفنا إلى ذلك مقولة موت الفلسفة التي أدخلتها في مأزق يشبه مأزق موت القصة، ندرك خفوت وندرة رواية الفلسفة. ولكن عندما نؤمن بأن الفلسفة معرفة لا تفرض مناهج ونظريات كما في نظريات الأدب. فهذا معناه أنها طريقة للتفكير ترتبط بذات المفكر، وهذا اتجاه جديد لكنه نادر ومحدود، لا يحظى بالانتشار والتوزيع. فرواية (اسم الوردة) لأمبرتو إيكو، تبدو في بدايتها رواية بوليسية، بطلها يحقق في قضية قتل وقعت في أحد الأديرة الكنسية، ولكن التحقيق يتحوّل إلى مساءلة فلسفية للتاريخ الكنسي. هذا هو أمبرتو إيكو، والسؤال: كم أمبرتو إيكو في واقعنا العربي؟
إذا كان في واقعنا من يحظي بهذا الوعي الفلسفي، فهما: أمين معلوف، ونجيب محفوظ، لكن علينا الانتباه، إلى أن الحضور الفلسفي لا يطغي على السرد الحكائي، بل يمرر بيسر عبر علامات ودلالات زكية، تحتاج إلى قارئ نوعي قادر على تأويلها وفهمها. هذا يؤكد ندرة الرواية الفلسفية.
{ ألا تظن أن الروائي يقدّم نقده بشكل معرفي أفضل من سواه؟
- بالطبع الكاتب أدرى بأسرار نصه، وله الحق في الكلام عن نفسه وتجربته الأدبية، لكن هذا لا يعني أن القارئ عليه أن يكون ملتزما بوجهة نظر الكاتب وما يقوله، لقد أصبح القارئ شريكا في إنتاج النص، وله الحق أن يراه من وجهة نظره الشخصية، وفقا لثقافته وخبراته، حتى لو تعارضت مع وجهة نظر الكاتب. هذا ما تؤكده نظرية (القارئ والاستجابة) عند كل من (أيزر وياوس) وهذا منطقي وأنا احترمه، إنها ثنائية (الكاتب والقارئ) وبدونهما معاً لا وجود للأدب. وللعلم فثمة صيغة نظرية أخرى للقارئ، وهي ما يطلق عليها (القارئ الضمني) وهي شخصية افتراضية، تسكن الكاتب أثناء الكتابة. معنى ذلك أن الكاتب عليه أن يضع القارئ في اعتباره أثناء الكتابة.
{ مشاكلنا الثقافية وكلاسيكية الحاضر الأدبي في ظل انتفاضة الذكاء الاصطناعي حتى الأدب، ما رأيك؟
- البعض يعتقد أن كلمة (كلاسيك) تعنى أدبا لم يعد جديرا بالقراءة الآن، وهذا خطأ فادح، فالكلاسيكية تعنى فنا يمتلك قوة الخلود، فلوحة العشاء الأخير في رواية ( دان براون) تصبح موضوعا مهما، وتقدم رؤية جديدة ليس لدافنشي فحسب، بل ولمفاهيم ومعتقدات دينية، عندما يذهب دان بروان إلى المقارنة بين مفهوم الثالوث المقدس في الإنجيل ممثلا في (الآب والابن والروح القدس) والمفهوم المصري القديم عن ثالوث (إيزوريس، وحورس، وأيرزيس). هذا مجرد مثال يؤكد حضور الفنون الكلاسيكية في وعينا بدرجة من العمق. ونلاحظ هذا لدى شيكسبير حتى أن شخصياته يعاد إنتاجها عشرات المرات في صيغ مختلفة منها هاملت، هذا يعني أنها الكلاسيكيات هي أعمال ما زالت تحتشد بأسرار لا نعرفها. وظني أن التكنولجيا لن تتعارض مع هذا الخلود، فالسينما على سبيل المثال، التي أصبحت صناعة تكنولوجية بالأساس، تعيد إنتاج هذه الكلاسيكيات فتمنحنا فرصا أكبر للتفكير فيها. لقد شاهدت فيلما عن هاملت، شاب وسيم يركب دراجة بخارية ويجوب شوارع أميركا تائها، وضالا.. هكذا كان هاملت عند شيكسبير، تائها بين أمه وعمه وأوفيليا، وضالا عن حقيقة خيانة أمه لأبيه من عدمه.
الخلاصة أن العبرة ليست بالذكاء الاصطناعي فحسب، بل بقدرتنا على تسخيره لتأكيد إنسانيتنا وليس لتهميشنا. تلك مسؤليتنا نحن البشر وليست مسؤولية الروبوت.